الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ولو حلف ليقضينه عند رأس الهلال أو إلى رأس الهلال ، فرأى في الليلة التي يهل فيها الهلال ، حنث ( قال المزني ) رحمه الله : وقد قال في الذي حلف ليقضينه إلى رمضان ، فهل إنه حانث لأنه حد ( قال المزني ) رحمه الله : هذا أصح ، كقوله : إلى الليل ، فإذا جاء الليل حنث .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح كقوله إلى الليل ، فإذا جاء الليل حنث ، نقل المزني عن الشافعي في هذا الموضع ثلاث مسائل ، اتفق الجواب في مسألتين واختلف في الثالثة ، إحدى المسائل التي اتفق المذهب في الجواب عليها إذا حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال ، أو عند رأس الشهر ، فوقت بره معين بين زماني حنث ، وهو أن يقضيه مع رأس الشهر ورؤية الهلال ، فإن قضاه قبل الهلال حنث ، وإن قضاه بعد الهلال وبعد إمكان القضاء معه ، حنث بمضي زمان الإمكان بعد الهلال .

                                                                                                                                            وقال مالك : لا يحنث بقضائه قبل انقضاء يوم وليلة ، وجعل زمان القضاء بعد الهلال معتبرا بيوم وليلة ، واعتبره الشافعي رحمه الله بالإمكان وهو أصح ؛ لأن مقادير الزمان إن لم تؤخذ عن نص أو قياس بطلت لما يتوجه عليها من المعاوضة ، وإذا ثبت أن ذلك معتبر بالإمكان فعليه أن يأخذ في القضاء مع رأس الشهر فيستوي حكم قوله : عند رأس الشهر مع رأس الشهر ، وإن كان الحق مما لا يكون زمان قضائه كوزنه من ذهب [ ص: 373 ] أو فضة ، ضاق زمان بره لإمكان وزنه في أول زمان بعد رأس الشهر ، فإن أخره عنه بأقل زمان حنث ، فإن شرع في حمله إليه مع رأس الشهر ، وكان بعيد الدار منه حتى مضت الليلة أو أكثرها لم يحنث ؛ لأنه معتبر في الإمكان ، وإن كان الحق مما يطول زمان قضائه كمائة كر من بر اتسع زمان بره إذا شرع في القضاء مع رأس الشهر ، وامتد بحسب الواقع من كيل هذا القدر ، حتى ربما امتد أياما ، فإن أخر عند رأس الشهر في جمع ما يقضيه وتحصيله للقضاء حنث ، ولو أخذ في نقله إليه لم يحنث ؛ لأن نقله مشروع في القضاء ، وليس جمعه مشروعا فيه ، وقول الشافعي رحمه الله في هذه المسألة فرأى في الليلة التي يهل فيها الهلال حنث ، يعني إذا لم يقضه فيها ، فإن قضاه بر ، وليس رؤية الهلال شرطا ، وإنما دخول الشهر بأول جزء من ليلته هو الزمان المعتبر ؛ لأن الهلال ربما غم بسحاب منع من رؤيته إلا أن يغم في ليلة شك ، فلا يكون من الشهر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية