مسألة : قال الشافعي : " ولو كفر عنه رجل بأمره أجزأه ، وهذه كهبته إياها من ماله ، ودفعه إياها بأمره كقبض وكيله لهبته لو وهبها له ، وكذلك إن قال : أعتق عني فولاؤه للمعتق عنه : لأنه قد ملكه قبل العتق ، وكان عتقه مثل القبض كما لو اشتراه فلم يقبضه حتى أعتقه كان العتق كالقبض " .
قال الماوردي : وهو كما قال : إذا ، فهو على ضربين : وجب عليه الكفارة فكفر عنه رجل بأمره
أحدهما : أن يكون مال التكفير للآمر ، فيكون المأمور هاهنا وكيلا للآمر في إخراج الكفارة ، وهذا متفق على جوازه لجواز النيابة في التكفير ؛ لأن مقصودها المال ، والعمل تبع ، فأجريت مجرى حقوق الأموال ، وتكون النية في إخراجها مستحقة ، لما تضمنها من العبادة ، وللآمر والمأمور فيها أربعة أحوال :
أحدها : أن ينوي الآمر عند أمره وينوي المأمور عند دفعه ، فهذا أكمل أموال الجواز .
والثاني : أن لا ينوي واحد منهما ، فلا يجزئ المخرج عتقا كان أو إطعاما لعدم الشرط المستحق في الإجزاء ، ولا يضمنه المأمور ويكون متطوعا في الأمر .
[ ص: 309 ] والثالث : أن ينوي المأمور عند دفعه ، ولا ينوي الآمر عند أمره ، فهنا يجزئ ؛ لأن اقتران النية بالدفع أصح .
والرابع : أن ينوي الآمر عند أمره ، ولا ينوي المأمور عند دفعه ، ففي إجزائه وجهان على ما مضى من وجوب اعتباره النية عند العزل والدفع ، فإن أمره أن يكفر عنه بنوع فعدل إلى غيره كان المأمور ضامنا لما كفر به ، سواء عدل عن الأدنى إلى الأعلى ، كعدوله عن الإطعام إلى العتق ، أو عدل عن الأعلى إلى الأدنى ، كعدوله عن العتق إلى الإطعام ؛ لأن المأمور مقصور التصرف على ما تضمنه الأمر ، وإن لم تخل الكفارة من أن تكون كفارة ترتيب كالقتل والظهار ، فإطلاق إذن الآمر يوجب حمله على اعتبار حاله ، فإن كان من أهل العتق أوجب إطلاق إذنه أن يعتق عنه ، وإن أطعم ضمن ولم يجزه ، وإن كان من أهل الإطعام أوجب إطلاق إذنه أن يطعم عنه ، وإن أعتق لم ينفذ عتقه ، ولم يضمن بخلاف المال الذي قد ملكه المعطى ، فضمنه المعطي ، وإن كانت كفارة لحنث مثل كفارة الأيمان ، فإن كفر المأمور بأقل الأجناس ثمنا ، فكفر بالإطعام دون العتق أجزأ ، سواء كان موجودا في ماله أو غير موجود ، وإن كفر بأكثر الأجناس ثمنا فكفر بالعتق دون الإطعام ، فلا يخلو مال الآمر من أربعة أحوال : أطلق الآمر الإذن للمأمور في التكفير ولم يعين له على جنس ما يكفر به
أحدها : أن يوجد في ملكه الأدنى من الإطعام ، ولا يوجد فيه الأعلى من العتق ، فيصير المأمور بعد عدوله إلى العتق من غير ملكه خارجا من حكم الأذى ، فلا يجزئ العتق ، ويكون عن المأمور دون الآمر ، والكفارة باقية في ذمة الآمر .
والحال الثانية : أن يوجد في ملكه الأعلى من العتق ، ولا يوجد فيه الأدنى من الطعام ، فهذا العتق يجزئ عن الآمر ، وله ولاؤه : لأن إطلاق إذنه متوجه إلى ملكه .
والحال الثالثة : أن لا يوجد في ملكه الأدنى من الإطعام ، ولا الأعلى من العتق ، فليس له التكفير عنه بالأعلى من العتق ، لأمرين :
أحدهما : أن فضل القيمة غير مستحق .
والثاني : أنه يدخل ولاء المعتق في ملك الآمر بغير إذن .
والحال الرابعة : أن يوجد في ملكه الأدنى من الطعام والأعلى من العتق ، فهل يكون إطلاق الإذن يوجب تخيير المأمور ، كما كان موجبا لخيار الآمر على وجهين : أحدهما : أنه موجب لخياره ؛ لأنه قد أقامه بالإذن فيه مقام نفسه ، فعلى هذا لا يبطل العتق ويجزئ عن المكفر .
والوجه الثاني : أن التخيير يسقط في حق المأمور ، وإن كان ثابتا في حق الآمر ، [ ص: 310 ] لأنه مخير في ملكه دون المأمور ، فعلى هذا يكون عتقه باطلا ، والعبد على رقه والكفارة باقية في ذمة الآمر .