الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقررت هذه الجملة ، فصورة مسألتنا أن يجتمع مسلم ومجوسي على صيد يرسل كل واحد منهما كلبه عليه أو يرسل أحدهما عليه كلبا ، والآخر فهدا أو بازيا أو سهما ، سواء تماثلا في آلة الاصطياد أو اختلفا ، فإن الحكم فيهما سواء ، وإذا كان كذلك لم يخل حال المرسلين في الصيد من سبعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يشترك كلب المجوسي وكلب المسلم على إمساك الصيد وقتله ، فيكون حراما : لأنه قد اجتمع تحليل بكلب المسلم ، وتحريم بكلب المجوسي ، واجتماع التحريم والتحليل في العين الواحدة يوجب تغليب التحريم على التحليل ، كالأمة بين شريكين يحرم على كل واحد منهما إصابتها : لاجتماع التحليل في حقه والتحريم في حق شريكه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يشتركا في إمساكه ثم يموت من غير اشتراك في قتله ، فيحرم : لأن الإمساك صار قتلا ، فصار كاشتراكهما في قتله .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يشتركا في جراحه من غير إمساك ، فيحرم : لأنهما قاتلاه إلا أن يكون كلب المسلم قد ابتدأ بجراحه ، فوجاه بقطع حلقومه أو إخراج حشوته ، ثم [ ص: 14 ] أدركه كلب المجوسي مضطربا فجرحه فيحل بتوجية كلب المسلم ، ولا يحرم لما تعقبه من جراح كلب المجوسي ، كالشاة المذبوحة إذا أكل منها سبع لم تحرم ، وإن كانت باقية الحركة .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يشتركا في إمساكه ، وينفرد أحدهما بقتله ، فيحرم ، سواء انفرد بقتله كلب المجوسي أو كلب المسلم لحدوث القتل عن الإمساك المشترك .

                                                                                                                                            والقسم الخامس : أن ينفرد أحدهما بإمساكه ويشتركا في قتله ، فيحرم سواء انفرد بإمساكه كلب المسلم أو كلب المجوسي : لأن قتله مشترك .

                                                                                                                                            والقسم السادس : أن ينفرد أحدهما بإمساكه ، وينفرد الآخر بقتله ، فيحرم سواء قتله كلب المجوسي أو كلب المسلم : لأنه إن أمسكه كلب المسلم وقتله كلب المجوسي حرم : لأنه قتله كلب مجوسي ، وإن أمسكه كلب المجوسي ، وقتله كلب المسلم حرم : لأنه بإمساك كلب المجوسي له قد صار مقدورا على ذكاته ، فلم يحل بقتل كلب المسلم له ، فاستويا في التحريم ، واختلفا في التحليل .

                                                                                                                                            والقسم السابع : أن ينفرد أحدهما بالإمساك ، والقتل دون الآخر ، فينظر ، فإن تفرد به كلب المجوسي حرم ، وإن تفرد به كلب المسلم حل ، سواء أثر كلب المجوسي في إعيائه ورده أو لم يؤثر .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن أثر كلب المجوسي في إعيائه ورده حرم كما لو أمسكه : لتأثير الأمرين فيه ، وهذا خطأ : لأن الإمساك مباشرة تخالف حكم ما عداها ، ألا ترى أن الصيد لو مات بالإعياء في طلب الكلب حرم ، ولو مات بإمساكه حل ، ولو طلبه محرمان ، فأعياه أحدهما وأمسك الآخر ، فمات كان جزاؤه على الممسك دون المعيي ، فدل على افتراق الحكمين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية