مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو رأيت أن أقبله للأثر فيه والاحتياط ورواه عن شهد على رؤيته عدل واحد علي رضي الله عنه وقال علي عليه السلام " أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان " ( قال ) والقياس أن لا يقبل على مغيب إلا شاهدان " .
[ ص: 412 ] قال الماوردي : أما سوى رمضان ، فلا نعلم خلافا بين العلماء أنه لا يقبل فيه أقل من شاهدين إلا ما حكي عن هلال شوال وسائر الأهلة أبي ثور ، أنه قبل شهادة الواحد في هلال شوال قياسا على هلال رمضان لتعلقه بعبادة ، وهذا غلط ؛ لأنه لا خبر فيه ولا أثر ، ولا في معنى ما ورد به الخبر ، فأما هلال رمضان فإن شهد برؤيته عدلان وجب استماعهما والحكم بشهادتهما .
وقال أبو حنيفة : إذا كانت السماء مصحية ، لم أقبل منه إلا التواتر ممن يقع العلم بقولهم ، ولا يجوز السهو عليهم ، وإن كانت مغيمة قبلت شهادة الواحد ، قال : لأن الهلال يدرك بحاسة البصر التي يشترك فيها الكافة ، ولا تختص بها طائفة فإذا لم يشهد رؤيته عدد يقع العلم بشهادتهم ، لم يقبلوا فأما مع الغيم فيقبل الواحد ؛ لأن قد يجوز أن ينجلي الغيم عن الهلال فيراه واحد من الناس ، ثم يتخلله السحاب ، والدليل على قبول شهادة عدلين وتسوية الحكم في الموضعين ما روي عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه قال صحبنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلمنا منهم فكانوا يخبرون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : فدل هذا الخبر على بطلان قول " صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدل فصوموا " أبي حنيفة ، وليس اشتراك الناس في حاسة البصر يوجب تماثلهم في الإدراك ، لأنا قد نجد بصيرين يعتمدان نظر شيء على بعد فيراه أحدهما دون الآخر لحدة بصره ، ولا يكون ذلك قادحا في الشيء المرئي ، ثم يتوجه هذا القول على أبي حنيفة إذا رآه عدد يقع العلم بقولهم ولم يره الكافة مع تماثلهم في الحاسة أن لا يحكم بهم .