الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان عبد بينه وبين آخر ، فعلى كل واحد منهما بقدر ما يملك منه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال إذا كان عبد بين شريكين ، أو بين مائة شريك فهو كما لو كان لمالك واحد ، فتكون على جماعتهم زكاة الفطرة صاع واحد ، وكذا لو كان مائة عبد بين شريكين ، لزمهما على كل رأس صاع ، وقال أبو حنيفة : إذا كان عبد بين شريكين أو مائة عبد بين شريكين فلا زكاة على واحد منهما بحال ، وقال أبو ثور : إذا كان عبد بين شريكين ، أو بين مائة شريك فعلى كل واحد منهما صاع ، فأما أبو حنيفة فاستدل بشيئين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه قال ما تتكرر زكاته في كل حول فإنه يعتبر فيه نصاب يدخل العفر فيما [ ص: 364 ] دونه كالمواشي ، والنصاب عبد كامل والعفر من دونه ، ومن ملك أقل من عبد كامل فهو بمثابة من ملك أقل من نصاب من الماشية ، فوجب أن لا تلزمه زكاته .

                                                                                                                                            والثاني : أن قال العبد المشرك بينه وبين غيره كالمكاتب بين سيده وبين نفسه ، فوجب أن لا تلزمه زكاة الفطر في المشرك ، كما لم تلزمه في المكاتب ، وتحرير ذلك أن فطرة عمن لم يكمل تصرفه فيه ، فلا يلزمه زكاة الفطر عنه كالمكاتب ، وأما أبو ثور فإنه قال : زكاة الفطر تجري مجرى الكفارة ، فلما لم يجز تبعيض الكفارة لم يجز تبعيض زكاة الفطر ، والدلالة عليهما رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على كل حر وعبد ممن تمونون ، وفيه دليلان :

                                                                                                                                            أحدهما : قوله على كل حر وعبد يعني : عن كل حر وعبد فكان ظاهره في وجوبها عن المنفرد والمشترك .

                                                                                                                                            والثاني : قوله ممن يمونون فعلقهما بالمؤنة ممن يمأن ، فوجب أن يزكي عنه ، ولأنها مؤنة تجب بحق الملك المنفرد ، فوجب أن تجب بحق الملك المشترك كالنفقة ، ولأنها صدقة تجب لأجل الملك المنفرد ، فوجب أن تجب لأجل المشترك كسائر الصدقات ، فأما الجواب عن قولهم إن ما تتكرر زكاته يجب اعتبار النصاب فيه ، فهو أن اعتبار ذلك غير صحيح : لأن النصاب إنما يعتبر في المال وزكاة الفطر تجب في المال وغير المال ، ألا تراها تجب على الحر ، وإن لم يكن مالا على أنهم أبعد الناس في ذلك قولا لأنهم قالوا : لا تجب حتى يكون مائتي درهم ، فلا يجوز اعتبار نصابين نصاب المال ونصاب العبد ، وأما المكاتب فالمعنى فيه أن نفقته غير واجبة ، فلذلك لم تجب زكاة فطره ، ولما كانت نفقة هذا واجبة وجبت زكاة فطره ، وأما أبو ثور فيفسد ما قاله من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن اعتبار الفطرة بالكفارة غير صحيح : لأن الفطرة تجب على الرقبة تطهيرا ، وكذلك تجب ابتداء وتحملا ، والكفارة تجب عن الفعل تمحيصا وتكفيرا ، وذلك يجب ابتداء ولا يجب تحملا .

                                                                                                                                            والثاني : أن فيه استيعابا لقيمة العبد : لأنه ربما كان بين مائة شريك فيلزمهم مائة صاع ، وقد تكون قيمته أقل من مائة صاع ، وهذا خروج عن موضوع المواساة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية