الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فلم يفرضها إلا على المسلمين فالعبيد لا مال لهم ، وإنما فرضهم على سيدهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            كل من كان مسلما حرا فعليه زكاة الفطر إذا وجدها بعد قوته ، سواء كان عاقلا أو مجنونا بالغا أو صبيا ، وحكي عن الحسن البصري وسعيد بن المسيب أنها لا تجب إلا على من صلى وصام ، وحكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنها لا تجب إلا على من أطاق الصلاة والصيام ، وبمذهبنا قال سائر الصحابة والتابعين ، وجميع الفقهاء تعلقا بحديث ابن عمر وابن عباس ، فأما المشرك فلا زكاة عليه إجماعا ، فأما العبد فزكاة فطره على سيده .

                                                                                                                                            وقال داود بن علي : هي على العبد دون سيده تعلقا بحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين فأخبر أنه فرضها على العبد كما فرضها على الحر ، فدل على وجوبها عليه .

                                                                                                                                            والدلالة على وجوبها على سيده ، رواية عراك بن مالك عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا صدقة الفطر فأثبت على السيد زكاة فطره نصا .

                                                                                                                                            وروى أبو سعيد الخدري قال كنا نؤدي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر ، عن كل حر وعبد ذكر وأنثى صاعا من طعام الحديث فأما تعلقه بحديث ابن عمر ، فالجواب عنه مبني على اختلاف أصحابنا هل وجبت زكاة فطره ابتداء على سيده أو وجبت ابتداء ثم يحملها سيده ؟ فلهم في ذلك مذهبان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو ظاهر مذهب الشافعي أنها وجبت ابتداء على سيده لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا صدقة الفطر فعلى هذا الجواب عن حديث ابن عمر أنه فرضها على كل حر وعبد ، فمعناه عن كل حر وعن كل عبد ، وقد يقوم " على " في اللغة مقام " عن " قال الشاعر :

                                                                                                                                            [ ص: 352 ] إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها

                                                                                                                                            أي : إذا رضيت عني .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : أن السيد يحملها عن عبده لحديث أبي سعيد قال كنا نؤدي صدقة الفطر على كل حر وعبد فعلى هذا حديث ابن عمر دال على وجوبها على العبد ، وحديث أبي سعيد دال على تحمل السيد فلا يتنافيان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية