الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 333 ] باب زكاة المعدن

                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ولا زكاة في شيء مما يخرج من المعادن إلا ذهبا أو ورقا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما المعدن فهو مأخوذ من عدن الشيء في المكان إذا أقام فيه والعدن الإقامة ، وقد قال أصحاب التأويل في قوله تعالى : جنات عدن ، [ النحل : 31 ] ، جنات إقامة وقيل : في البلد المنسوب إلى عدن إنه سمي بذلك ، إنه كان حبسا لتبع يقيم فيه أهل الجرائم ، فالمعادن هي التي أودعها الله سبحانه ، جواهر الأرض من الفضة والذهب والصفر والنحاس والحديد والرصاص والمرجان والياقوت والزمرد والعقيق والزبرجد ، وإلى ما سوى ذلك من الكحل والزئبق والنفط فلا زكاة في جميعها ، سواء كانت في ملك أو موات إلا في معادن الفضة والذهب ، دون ما عداهما ، وقال أبو حنيفة : الزكاة واجبة في كل ما انطبع منها كالصفر والنحاس ، دون ما لا ينطبع من الذائب والأحجار : استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس والمعادن تسمى ركازا فوجب أن يكون الخمس في جميعها عاما ، ولأنه جوهر ينطبع فوجب أن يتعلق حق الله تعالى به كالفضة والذهب ، ودليلنا هو أن كل ما لا يتكرر وجوب الزكاة في عينه لم تجب فيه الزكاة ، إذا أخذ من معدنه كالكحل والزرنيخ ، ولأن كل ما لو ورثه ، لم تجب فيه الزكاة فوجب إذا استفاده من المعدن أن لا تجب فيه الزكاة كالنفط والقير ، ولأنه مقوم مستفاد من المعدن ، فوجب أن لا يجوز فيه الزكاة كالياقوت والزمرد ، ولأن المعادن إما أن تجري مجرى الفيء فيما تجب فيه ، أو مجرى الزكاة فلم يجز أن تكون كالفيء : لأن خمس الفيء يجب في جميع الأموال ما انطبع منها ولم ينطبع ، فثبت أنه يجري مجرى الزكاة ، والزكاة لا تجري في غير الذهب والفضة فكذا لا تجب إلا في معادن الفضة والذهب فأما استدلالهم فلا حجة فيه : لأن الركاز غير المعادن وأما قياسهم على الفضة والذهب بعلة أنه ينطبع ففاسد بالزجاج : لأنه ينطبع ثم المعنى في الفضة والذهب أنه مما تجب فيه الزكاة لو ملك من غير المعدن والله أعلم .

                                                                                                                                            [ ص: 334 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية