مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أيسرا قبل الحول فإن كان يسرهما مما دفع إليهما فإنما بورك لهما في حقهما ، فلا يؤخذ منهما وإن كان يسرهما من غير ما أخذ منهما ما دفع إليهما ؛ لأن الحول لم يأت إلا وهما من غير أهل الصدقة " .
قال الماوردي : وهذه المسألة معطوفة على التي قبلها ، وهو أن ، فلا يخلو حال استغنائه ويساره من أحد أمرين : إما أن يكون قبل الحول ، أو بعده ، فإن كان بعد الحول فلا يسترجع منه ما تعجله ، سواء كان يساره مما تعجله أو من غيره ، لأنه قد كان من أهل الصدقة وقت الوجوب ، وإن كان يساره قبل الحول ، فعلى ضربين : يتعجل الوالي الصدقة لأهل السهمان ، ويدفعها إلى فقير أو فقيرين ، فيستغني من تعجيلها
أحدهما : أن يكون مما تعجله .
والثاني : أن يكون من غيره ، فإن كان يساره مما تعجله لم يسترجع منه لأمرين .
أحدهما : أنه لو كان عند الحول فقيرا ، جاز أن يدفع إليه من الزكاة ما يستغني به ، فإذا كان غنيا به فلا معنى لاسترجاعه .
والثاني : أنه إذا استرجع منه صار فقيرا يستحق أخذ الزكاة ، فلا معنى لأخذها منه وردها عليه ، وإن كان يساره من غير ما تعجله وجب استرجاع ما أخذه ، بخلاف قول أبي [ ص: 170 ] حنيفة ؛ لأنه تعجل الزكاة لكونه من أهلها ، ويساره يمنع أن يكون مستحقا لها ، ثم الفرق بين أن يكون يساره مما تعجله أو من غيره ، المعنيان اللذان ذكرناهما قبل ، فلو تعجلها وهو فقير فاستغنى من غيرها قبل الحول ثم ففي استرجاعها وجهان : افتقر عند حلول الحول
أحدهما : لا تسترجع لأنه فقير حال الدفع وحال الوجوب .
والثاني : تسترجع لأنه قد خرج من أهل الزكاة باستغنائه فلم يجز إقرارها في يده ، والأول أظهر ، ولكن لو تعجلها وهو غني وشرط أنه إن افتقر عند حلول الحول فهي له ، فحال الحول وهو فقير لم يجز ووجب استرجاعها منه ؛ لأن المقصود بتعجيل الزكاة الارتفاق بأخذها ، والغني لا يرتفق بها فلم تقع الزكاة موقعها ، فإن قيل : لو أوصى لوارث فلم يمت الموصي حتى صار الموصى له غير وارث صحت الوصية ، اعتبارا بحال الوجوب ، فهلا قلتم لمن عجل زكاته لغني ثم افتقر عند حلول الحول بجواز التعجيل اعتبارا بحال الوجوب ، قيل : هما في المعنى سواء ؛ لأن الوصية تملك بالموت ، فاعتبر حاله عند الموت ، والتعجيل يملك بالدفع ، وإنما يستقر الملك بالحول ، فاعتبر حاله وقت الدفع . والله أعلم .