الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن سأله رب المال أن يتعجل منه وسأله أهل السهمان أن يتعجل لهم فقد اختلف أصحابنا على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المغلب فيه مسألة رب المال ، كما لو تفرد بمسألته ، فيكون على ما مضى من التقسيم والجواب ؛ لأن التعجيل كان باختياره ، ولأنه لو امتنع لم يجبر عليه ، فوجب أن نغلب فيه مسألته .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن المغلب فيه مسألة أهل السهمان ، كما لو تفردوا بالمسألة ، فيكون على ما مضى من التقسيم والجواب ، لأنهما قد يتناوبا بالمسألة وانفرد أهل السهمان بالارتفاق فوجب أن يغلب فيه مسألتهم . والله أعلم .

                                                                                                                                            بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                            صلى الله على سيدنا محمد وآله

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو استسلف لرجلين بعيرا فأتلفاه وماتا قبل الحول فله أن يأخذه من أموالهما لأهل السهمان ؛ لأنهما لما لم يبلغا الحول علمنا أنه لا حق لهما في صدقة قد حلت في حول لم يبلغاه ، ولو ماتا بعد الحول كانا قد استوفيا الصدقة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            أما قوله : " لو استسلف لرجلين بعيرا " فليس بشرط في المسألة ، بل لا فرق بين أن يستسلف لرجلين أو رجل أو أكثر ، ولا فرق بين أن يستسلف بعيرا أو بقرة أو شاة ، والجواب في ذلك سواء ، وجملته : أن الوالي إذا تعجل من رجل بعيرا ، ودفعه إلى فقير ، لما رأى من حاجته وشدة خلته ، ثم مات الفقير ، لم يخل حال موته من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            [ ص: 168 ] إما أن يكون قبل موته أو بعده ، أو شك هل كان موته قبل الحول أو بعده ، فإن مات بعد الحول فلا تراجع ، والزكاة مجزأة ، لأنه قد كان من مستحقي الزكاة عند وجوبها ، وإن مات قبل الحول وجب استرجاعها من تركته ؛ لأن تعجيل الزكاة موقوف بين الإجزاء والاسترجاع ، وذلك لا يجزي رب المال ، فكان له الاسترجاع ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز له استرجاعها ، بل تكون صدقة تطوع ، فجعلها موقوفة بين الإجزاء عن الفرض أو التطوع ، وهذا غلط ؛ لأن المقصود بتعجيل الزكاة إسقاط الفرض ، فإذا لم يسقط وجب استرجاعها ، كمن دفعها إلى رجل ظاهره الإسلام فبان كافرا ، كان له استرجاعها ؛ لأن إسقاط الفرض المقصود بالدفع لم يحصل ، كذلك فيما عجل ، وإن شك في موته هل كان قبل الحول أو بعده ففي جواز استرجاعها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : تسترجع منه اعتبارا باليقين في التعجيل ، لأنه متردد بين أن يموت بعد الحول فتجزي ، وقبل الحول فلا تجزي ، وفرض الزكاة لا يسقط بالشك .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا تسترجع منه اعتبارا باليقين في الاسترجاع ، لأنه متردد بين أن يموت قبل الحول فتسترجع ، وبعد الحول فلا تسترجع ، وما قد ملك بالقبض فلا يجوز استرجاعها بالشك ، فعلى هذا يجزي ذلك رب المال ؛ لأن الاسترجاع إذا لم يجب بالإخراج ثانية لا يجب ، فهذا الكلام في وجوب الاسترجاع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية