ذكر الضحاك الخارجي قتل
قد ذكرنا محاصرة الضحاك بن قيس الخارجي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بواسط ، فلما طال عليه الحصار أشير عليه بأن يدفعه عن نفسه إلى مروان ، فأرسل إليه : إن مقامكم علي ليس بشيء ، هذا ابن عمر مروان فسر إليه فإن قاتلته فأنا معك . فصالحه وخرج إليه وصلى خلفه ، فانصرف إلى الكوفة ، وأقام ابن عمر بواسط ، وكاتب أهل الموصل الضحاك ليقدم عليهم ليمكنوه منها ، فسار في جماعة من جنوده بعد عشرين شهرا حتى انتهى إليها ، وعليها يومئذلمروان رجل من بني شيبان يقال له القطران بن أكمه ، ففتح أهل الموصل البلد ، فدخله الضحاك وقاتلهم القطران ومن معه من أهله وهم عدة يسيرة حتى قتلوا ، واستولى الضحاك على الموصل وكورها .
وبلغ مروان خبره وهو محاصر حمص مشتغل بقتال أهلها ، فكتب إلى ابنه عبد الله ، وهو خليفته بالجزيرة ، يأمره أن يسير إلى نصيبين فيمن معه يمنع الضحاك عن توسط الجزيرة ، فسار إليها في سبعة آلاف أو ثمانية آلاف ، وسار الضحاك إلى نصيبين فحصر عبد الله فيها ، وكان مع الضحاك ما يزيد على مائة ألف ، ووجه قائدين من قواده إلى الرقة في أربعة آلاف أو خمسة آلاف ، فقاتله من بها ، فوجه إليهم مروان من رحلهم عنها .
ثم إن مروان سار إلى الضحاك فالتقوا بنواحي كفرتوثا من أعمال ماردين فقاتله يومه أجمع ، فلما كان عند المساء ترجل الضحاك ومعه من ذوي الثبات وأرباب البصائر نحو من ستة آلاف ، ولم يعلم أكثر أهل عسكره بما كان ، فأحدقت بهم خيول مروان وألحوا عليهم في القتال حتى قتلوهم عند العتمة ، وانصرف من بقي من أصحاب الضحاك عند العتمة إلى عسكرهم ، ولم يعلموا بقتل الضحاك ، ولم يعلم به مروان أيضا . وجاء بعض من عاينه إلى أصحابه فأخبرهم ، فبكوا وناحوا عليه ، وخرج قائد من قواده إلى مروان فأخبره ، فأرسل معه النيران والشمع فطافوا عليه فوجدوه قتيلا وفي وجهه وفي رأسه أكثر من عشرين ضربة ، فكبروا ، فعرف عسكر الضحاك أنهم قد علموا بقتله ، وبعث مروان رأسه إلى مدائن الجزيرة فطيف به فيها .
[ ص: 353 ] وقيل : إن الضحاك والخيبري إنما قتلا سنة تسع وعشرين .