لما مات ولاية نصر بن سيار الكناني أسد بن عبد الله استشار هشام بن عبد الملك عبد الكريم بن سليط الحنفي ، وكان عالما بخراسان ، فيمن يوليه ، فقال عبد الكريم : يا أمير المؤمنين أما رجل خراسان حزما ونجدة فالكرماني . فأعرض عنه وقال : ما اسمه ؟ قال جديع بن علي . قال : لا حاجة لي فيه ، وتطير ، قال : فالمسن المجرب يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني . قال : ربيعة لا تسد بها الثغور .
قال عبد الكريم : فقلت في نفسي : كره ربيعة واليمن فأرميه بمضر ، فقلت : عقيل بن معقل الليثي إن غفرت هنة . قال : ما هي ؟ قلت : ليس بالعفيف . قال : لا حاجة لي فيه . قلت : منصور بن أبي الخرقاء السلمي إن غفرت نكره فإنه مشئوم . قال : غيره . قلت : فالمجشر بن مزاحم السلمي ; عاقل شجاع له رأي مع كذب فيه . قال : لا خير في الكذب . قلت : يحيى بن الحضين . قال : ألم أخبرك أن ربيعة لا تسد بها الثغور ؟ قال : فقلت : . قال : هو لها . قلت : إن غفرت واحدة ، فإنه عفيف مجرب عاقل . قال : ما هي ؟ قلت : عشيرته بها قليلة . قال لا أبا [ ص: 253 ] لك ! [ أتريد عشيرة ] أكثر مني ؟ أنا عشيرته . فكتب عهده وبعثه مع نصر بن سيار عبد الكريم .
وقد قيل : عرض عليه عثمان بن الشخير ، وقيل له : إنه صاحب شراب ، وقيل له عن يحيى بن الحضين : إنه كثير التيه ، وقيل له عن قطن بن قتيبة : إنه موتور ، فلم يولهم فاستعمل نصرا .
وكان جعفر بن حنظلة الذي استخلفه أسد على خراسان عند موته قد عرض على نصر أن يوليه بخارى ، فاستشار البختري بن مجاهد مولى بني شيبان ، فقال له : لا تقبلها لأنك شيخ مضر بخراسان ، وكأنك بعهدك قد جاء على خراسان كلها . فلما أتاه عهده بعث إلى البختري ليأتيه ، فقال البختري لأصحابه : قد ولي نصر خراسان ، فلما أتاه سلم عليه بالإمرة ، فقال له : من أين علمت ؟ قال : كنت تأتيني ، فلما بعثت إلي علمت أنك قد وليت .
وأعطى نصر عبد الكريم لما أتاه بعهده عشرة آلاف درهم ، واستعمل على بلخ مسلم بن عبد الرحمن بن مسلم ، واستعمل على مرو الروذ وساج بن بكير بن وساج ، وعلى هراة الحارث بن عبد الله بن الحشرج ، وعلى نيسابور زياد بن عبد الرحمن القشيري ، وعلى خوارزم أبا حفص بن علي ختنه ، وعلى الصغد قطن بن قتيبة . قال رجل من اليمانية : ما رأيت عصبية مثل هذا . قال : بلى ، التي كانت قبلها ، فلم يستعمل أربع سنين إلا مضريا . وعمرت خراسان عمارة لم تعمر قبلها ، وأحسن الولاية والجباية ، فقال سوار بن الأشعر :
أضحت خراسان بعد الخوف آمنة من ظلم كل غشوم الحكم جبار لما أتى يوسفا أخبار ما لقيت
اختار نصرا لها نصر بن سيار
وأتى نصرا عهده في رجب سنة عشرين ومائة .