الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويصح من غير الجنس ) وهو المنقطع ( كألف ) دراهم ( إلا ثوبا ) لوروده لغة وشرعا نحو { لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما } [ ص: 399 ] ( ويبين بثوب قيمته دون ألف ) حتى لا يستغرق فإن بين بثوب قيمته ألف بطل الاستثناء لأنه لما بين الثوب بالألف صار كأنه تلفظ به ولزمه الألف وفي شيء الأشياء يعتبر تفسيره فإن فسر بمستغرق بطل الاستثناء وإلا فلا ( و ) يصح أيضا ( من المعين كهذه الدار له إلا هذا البيت أو هذه الدراهم ) له ( إلا ذا الدرهم ) ، وكذا الثوب إلا كمه لصحة المعنى فيه إذ هو إخراج بلفظ متصل فأشبه التخصيص ( وفي المعين وجه شاذ ) أنه لا يصح الاستثناء منه لتضمن الإقرار بها ملك جميعها فيكون الاستثناء رجوعا بخلافه في الدين فإنه مع الاستثناء عبارة عن الباقي ويرد فرقة بأنه تحكم صرف ( قلت ولو قال هؤلاء العبيد له إلا واحدا قبل ) ولا أثر للجهل بالمستثنى كما لو قال الأشياء ( ورجع في البيان إليه ) لأنه أعرف بنيته ويلزمه البيان لتعلق حق الغير به فإن مات خلفه وارثه ( فإن ماتوا إلا واحدا وزعم أنه المستثنى صدق بيمينه ) أنه الذي أراده بالاستثناء ( على الصحيح والله أعلم ) لاحتمال ما ادعاه ، ولو قتلوا قتلا مضمنا قبل قطعا لبقاء أثر الإقرار

                                                                                                                              ( فرع ) أفتى ابن الصلاح بأنه لو قامت بينة على إقراره لزيد بدين فأقام بينة على إقرار زيد أنه لا يستحق عليه شيئا وتاريخهما واحدحكم بالأولى لأنه ثبت بها الشغل وشككنا في الرفع والأصل عدمه وخالفه غيره ، فقال لا يلزمه شيء كما مر أي للتعارض المضعف لاستصحاب ذلك الشغل وهو ظاهر ، ولو أقر بدين لآخر ، ثم ادعى أداءه إليه وأنه نسي ذلك حالة الإقرار سمعت دعواه للتحليف فقط أخذا مما مر في الرهن فإن أقام بينة بالأداء قبلت على ما أفتى به بعضهم لاحتمال ما قاله فلا تناقض كما لو قال لا بينة لي ، ثم أتى ببينة تسمع وفيه نظر والفرق ظاهر إذ كثيرا ما يكون للإنسان بينة ولا يعلم بها فلا ينسب لتقصير بخلاف مسألتنا ، ثم محل قبول ادعاء النسيان كما قاله بعضهم ما لم يلتزم عدم قبول فيه بأن يذكر في ألفاظ الإقرار بعدم الاستحقاق ولا نسيانا لأن دعواه حينئذ مخالفة لما أقر به أولا ونظير ذلك ما لو حلف لا يفعل كذا عامدا ولا ناسيا ففعله ناسيا فإنه يحنث وقد ينافيه [ ص: 400 ] إطلاق قولهم لو أبرأ براءة عامة وكان له عليه دين سلم مثلا فادعى أنه لم يعلم به حالة الإبراء أو علمه ولم يرده صدق بيمينه ويفرق بينه وبين الحلف بأن الإقرار لا يقبل التزام خلاف ما دل عليه اللفظ لأنه إخبار عن حق سابق فكيف يدخل فيه التزام أمر مستقبل بخلاف الإنشاء فإنه يقع في الحال والمستقبل فأثر فيه التزام الحنث بما فعله نسيانا ، ولو قال لا حق لي على فلان ففيه خلاف في روضة شريح والراجح منه أنه إن قال فيما أظن أو فيما أعلم ، ثم أقام بينة بأن له عليه حقا قبلت وإن لم يقل ذلك لم تقبل بينته إلا إن اعتذر بنحو نسيان أو غلط ظاهر

                                                                                                                              ( فائدة ) كثر كلامهم في قاعدة الحصر والإشاعة وحاصله أنهم قد يغلبون الأول قطعا أو على الأصح والثاني كذلك ولم يبينوا سر القطع والخلاف في كل ، وقد بينته بحمد الله مع ذكر مثله قبيل المتعة فراجعه فإنه مهم فمن فروعها هنا إقرار بعض الورثة على التركة بدين أو وصية فيشيع حتى لا يلزمه إلا قسطه من حصته من التركة لأنه خليفة عن مورثه فتقيد بقدر خلافته عنه وهو حصته فقط وكما في إقرار أحد مالكي قن بجنايته واستثنى البلقيني من ذلك مسائل ينحصر الإقرار فيها في حصته لكن لمدرك آخر كما يعلم بتأملها أو أقر أحد شريكين لثالث بنصف مشترك بينهما تعين ما أقر به في نصيبه وفارق الوارث بانتفاء الخلافة هنا الموجبة للإشاعة ، ثم ، ومن ثم ألحقوا بهذا نحو البيع والرهن والوصية والصداق والعتق وما ذكر من الحصر في إقرار أحد الشريكين هو ما رجحه في الروضة هنا لكنه خالفه في العتق ولكون ما في الباب يقدم على ما في غيره غالبا جزم ابن المقري وغيره بما هنا ولم ينظروا لقول الإسنوي الفتوى على التفصيل لقوة مدركه أو على الإشاعة وهو الحق لنقله عن الأكثرين ولا لموافقة البلقيني له على أن الأفقه الإشاعة

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              قول المتن ( قوله [ ص: 399 ] فأشبه التخصيص ) التخصيص لا يتوقف على الاتصال . ( قوله : ولو قتلوا قتلا مضمنا ) أي إلا واحدا وزعم أنه المستثنى . ( قوله فرع أفتى ابن الصلاح إلخ ) في أدب القضاء لابن القاص لو جاء بورقة فيها إقرار زيد وجاء زيد بورقة فيها إبراء من المقر له فإن أطلقتا أو أرختا بتاريخ متحد أو أرخت واحدة وأطلقت أخرى لم يلزمه شيء نعم إن أرختا وتأخر تاريخ الإقرار عمل به انتهى م ر ( قوله حكم بالأولى ) اعتمده م ر . ( قوله قبلت على ما أفتى به بعضهم ) واعتمده م ر . ( قوله كما قاله بعضهم ) وأفتى به شيخنا الشهاب الرملي رحمة الله عليه . ( قوله وقد ينافيه [ ص: 400 ] إطلاق قولهم إلخ ) المنافاة ممنوعة لأنه إذا ذكر ولا نسيان فقد اعترف بعلمه بالحال فلا يقبل منه خلافه ولا كذلك في قولهم المذكور فإنه لم يصدر منه الاعتراف بالعلم بالحال حتى ينافى دعواه المذكورة . ( قوله فكيف يدخل فيه التزام أمر مستقبل ) قد يمنع لزوم دخول المستقبل لأن قوله ولا نسيانا حاصله الإخبار بأنه عالم بجميع جهات تلك القضية وتفاصيلها وبأنه ليس ناسيا لشيء منها فيؤاخذ بذلك في عدم قبول دعوى النسيان وليس فيه التزام أمر مستقبل . ( قوله ولو قال لا حق لي على فلان ) أي ، ثم أقام بينة .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( ويصح من غير الجنس ) أي جنس المستثنى منه خلافا للإمام أحمد في بطلانه مطلقا وللإمام أبي حنيفة في بطلانه في غير المكيل والموزون وقليوبي ا هـ بجيرمي . ( قوله من غير الجنس ) [ ص: 399 ] وينبغي أن مثل الجنس النوع والصفة ا هـ ع ش قول المتن ( ويبين إلخ ) أي إن بينه إلخ ا هـ منهج . ( قوله تلفظ به ) أي بالألف . ( قوله ولزمه الألف ) عطف على جملة بطل الاستثناء وكان الأولى التفريع . ( قوله وفي شيء الأشياء إلخ ) عبارة النهاية والمغني ، ولو قال له علي شيء إلا شيئا أو مال إلا مالا أو نحوهما فكل من المستثنى والمستثنى منه مجمل فليفسرهما فإن فسر الثاني بأقل مما فسر به الأول صح الاستثناء وإلا لغا ، ولو قال له علي ألف إلا شيئا أو عكس فالألف والشيء مجملان فليفسرهما مع الاجتناب في تفسيره عما يقع به الاستغراق ولو قال له علي ألف إلا درهما فالألف مجمل فليسفره بما فوق الدرهم ولو فسره بما قيمته درهم فما دونه كان الاستثناء لاغيا ، وكذا التفسير ، ولو قدم المستثنى منه صح ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وكهذا الثوب ) إلى قوله فإنه في النهاية قول المتن ( إلا هذا البيت إلخ ) ومثله كما هو ظاهر إلا ثلثها مثلا ( قوله إلا كمه ) أي وإن كان الكم بصفة بقية الثوب ولم يصلح لغير المقر له ا هـ ع ش . ( قوله فأشبه التخصيص ) التخصيص لا يتوقف على الاتصال ا هـ سم قول المتن ( قبل ) أي استثناؤه . ( قوله ولا أثر ) إلى الفرع في النهاية والمغني . ( قوله إلا شيئا ) أي له علي عشرة دراهم إلا شيئا قوله ( صدق بيمينه ) أي إذا كذبه المقر له ا هـ مغني . ( قوله : ولو قتلوا قتلا إلخ ) أي إلا واحدا وزعم أنه المستثنى سم . ( قوله قبل ) أي تفسيره . ( قوله لبقاء أثر الإقرار ) وهو القيمة ويؤخذ منه أنه لو غصبتهم إلا واحدا فماتوا وبقي واحد وزعم أنه المستثنى أنه يصدق لأن أثر الإقرار باق وهو الضمان نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله أفتى ابن الصلاح إلخ ) في أدب القضاء للغزي ما نصه في أدب القضاء لابن القاص لو جاء بورقة فيها إقرار زيد وجاء زيد بورقة فيها إبراء من المقر له فإن أطلقتا أو أرختا بتاريخ متحد أو أرخت واحدة وأطلقت أخرى لم يلزمه شيء نعم إن أرختا وتأخر تاريخ الإقرار عمل به انتهى م ر ا هـ سم وهذا فيه تأييد لقول الشارح الآتي وهو ظاهر . ( قوله حكم بالأولى ) اعتمده م ر ا هـ سم . ( قوله بها ) أي بالبينة الأولى ( قوله وخالفه ) أي ابن الصلاح . ( قوله كما مر ) أي قبيل فصل الصيغة ا هـ كردي ( قوله للتحليف ) أي لتحليف المقر له أنه يؤده إليه . ( قوله مما مر في الرهن ) أي في قول المصنف ، ولو أقر بألفين ، ثم قال لم يكن إقراري عن حقيقة ا هـ كردي . ( قوله قبلت على ما أفتى به بعضهم ) واعتمده م ر ا هـ سم . ( قوله وفيه نظر ) أي في القياس المذكور ( قوله : ثم محل قبول ادعاء النسيان ) أي في نحو مسألتنا لتحليف المقر له .

                                                                                                                              ( قوله كما قاله بعضهم ) وأفتى به شيخنا الشهاب الرملي رحمه الله تعالى ا هـ سم ( قوله فيه ) أي في ادعاء النسيان . ( قوله بأن يذكر ) بيان للمنفي ا هـ كردي . ( قوله ولا نسيانا ) عطف على عدم الاستحقاق كأن يقول بعد الإقرار ولا أستحق عليه شيئا ولا نسيانا أي ولست ناسيا في هذه الإقرار أو ولا أستحق عليه بدعوى النسيان .

                                                                                                                              ( قوله لأن إلخ ) أي فإذا التزم ذلك فلا يقبل دعواه النسيان لأن إلخ . ( قوله حينئذ ) أي حين إذ صدر منه ذلك الالتزام . ( قوله ونظير ذلك ) أي عدم القبول مع الالتزام ، وكذلك ضمير ، وقد ينافيه ويجوز إرجاع ضميره إلى ما قاله بعضهم ومآلهما واحد . ( قوله : وقد ينافيه إلخ ) المنافاة ممنوعة لأنه إذا ذكر ولا نسيانا فقد اعترف بعلمه بالحال فلا يقبل منه خلافه ولا كذلك في قولهم [ ص: 400 ] المذكور فإنه لم يصدر منه الاعتراف بالعلم بالحال حتى ينافي دعواه المذكورة ا هـ سم أقول قد يؤيد المنافاة والفرق الآتي ويدفع المنع هنا وفيما يأتي قول الشارح الآتي والراجح منه إلخ ( قوله ويفرق بينه ) أي الإقرار المقارن للالتزام المذكور . ( قوله فكيف يدخل فيه التزام أمر مستقبل ) قد يمنع لزوم دخول المستقبل لأن قوله ولا ناسيا حاصله الإخبار بأنه عالم بجميع جهات تلك القضية وتفاصيلها وبأنه ليس ناسيا لشيء منها فيؤاخذ بذلك في عدم قبول دعوى النسيان وليس فيه التزام أمر مستقبل ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله التزام أمر مستقبل ) والأمر المستقبل هو عدم قبول قوله في النسيان ا هـ كردي . ( قوله : ولو قال لا حق إلخ ) أي ، ثم أقام بينة ا هـ سم . ( قوله في روضة شريح ) نعت لخلاف . ( قوله منه ) أي من الخلاف . ( قوله في قاعدة الحصر والإشاعة ) أي حصر الإقرار في حصة المقر من المشترك في بعض المواضع وإشاعته في جميعه في آخر . ( قوله الأول ) أي الحصر و ( قوله والثاني ) أي الإشاعة ( وقوله كذلك ) أي قد يغلبونه قطعا أو على الأصح . ( قوله مثله ) جمع مثال أي أمثلة كل . ( قوله فمن فروعها ) أي قاعدة الحصر والإشاعة ( هنا ) أي في الإقرار . ( قوله إقرار بعض الورثة إلخ ) ولو أقر لورثة أبيه بمال وكان هو أحدهم لم يدخل لأن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه وهذا عند الإطلاق كما قاله السرخسي فإن نص على نفسه دخل مغني ونهاية . ( قوله فيشيع ) من الشيوع أي يشيع المقر به في جميع التركة . ( قوله فتقيد ) ببناء المفعول والضمير المستتر لإقرار بعض الورثة .

                                                                                                                              ( قوله خلافته ) أي البعض ( عنه ) أي عن مورثه . ( قوله حصته ) أي قدر حصته ( قوله وكما في إقرار إلخ ) عطف على لأنه إلخ أي وقياسا على ذلك ( قوله من ذلك ) أي من إقرار بعض الورثة إلخ ( قوله في حصته ) أي البعض . ( قوله وإقرار أحد شريكين إلخ ) عطف على إقرار بعض الورثة إلخ قوله بنصف مشترك بالإضافة . ( قوله تعين ) الأولى فيتعين . ( قوله في نصيبه ) وهو النصف عبارة النهاية والمغني ، ولو أقر أحد شريكين بنصف الألف المشترك بينهما لثالث تعين ما أقر به في نصيبه ا هـ قال ع ش قوله م ر في نصيبه أي الخمسمائة فيستحقه المقر له ا هـ .

                                                                                                                              ( وفارق ) أي أحد الشريكين المقر الثالث إلخ . ( قوله هنا ) أي في إقرار أحد الشريكين ( وقوله ، ثم ) أي في إقرار بعض الورثة ( قوله بهذا ) أي بإقرار أحد الشريكين . ( قوله نحو البيع إلخ ) أي بيع أحد الشريكين بأن قال الثالث بعتك نصفه ، وكذا البقية ا هـ كردي .

                                                                                                                              ( قوله هنا ) أي في باب الإقرار و ( قوله في العتق ) أي في باب العتق . ( قوله مقدم ) كذا في أصله بخطه رحمه الله تعالى والظاهر مقدم أو يقدم ا هـ سيد عمر ( قوله جزم ابن المقري إلخ ) ، وكذا جزم به النهاية والمغني . ( قوله على التفصيل ) أي في بعض المواضع حصر وفي بعضها إشاعة ا هـ كردي . ( قوله وهو الحق ) أي كون الفتوى على الإشاعة ( قوله له ) أي للإسنوي .




                                                                                                                              الخدمات العلمية