الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6211 ص: وأما ما يدل عليه النظر، فإنا قد رأينا الأصل المجتمع عليه: أن الإمام لو لم

                                                [ ص: 521 ] ينحر أصلا؛ لم يكن ذلك بمسقط عن [الناس] النحر ولا بمانع لهم من النحر في ذلك العام.

                                                وقد روي عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة -رضي الله عنه- ما قد حدثنا ابن مرزوق، ثنا أشهل بن حاتم ، ثنا شعبة ، عن سعيد بن مسروق ، عن الشعبي ، عن أبي سريحة: " أن أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- كانا لا يضحيان".

                                                حدثنا صالح بن عبد الرحمن وروح بن الفرج قالا: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا أبو الأحوص ، عن سعيد بن مسروق ، عن الشعبي ، عن أبي سريحة قال: "لقد رأيت أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- وما يضحيان"

                                                أفترى ما ضحى في تلك السنين أحد؟ إذ كان إمامهم لم يضح أولا ترى أن إماما لو تشاغل يوم النحر بقتال عدو أو غيره فشغله ذلك عن النحر، أما لغيره ممن أراد أن يضحي أن يضحي؟! فإن قال قائل: إنه ليس لأحد أن يضحي في عامه ذلك. خرج بهذا عن قول الأئمة، وإن قال: للناس أن يضحوا إذا زالت الشمس لذهاب وقت الصلاة، فقد دل على أن ما يحل به النحر ما كان [في] وقت صلاة العيد، فإنما هي الصلاة لا نحر الإمام، وإذا صلى الإمام حل النحر لمن أراد أن ينحر، أولا يرى أن الإمام لو نحر قبل أن يصلي لم يجزه ذلك، وكذلك سائر الناس؟ وكان الإمام وغيره في الذبح قبل الصلاة سواء في أن لا يجزئهم.

                                                فالنظر على ذلك أن يكون الإمام وسائر الناس أيضا سواء في الذبح بعد الصلاة يجزئه، وكذلك ذبح سائر الناس بعد الصلاة يجزئهم هذا هو النظر في هذا وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، - رحمهم الله -.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وأما ما يدل عليه وجه النظر والقياس... إلى آخره وهو ظاهر.

                                                وأخرج أثر أبي سريحة من طريقين صحيحين:

                                                [ ص: 522 ] الأول: عن إبراهيم بن مرزوق عن أشهل بن حاتم الجمحي البصري عن شعبة عن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي والد سفيان الثوري عن عامر الشعبي عن حذيفة بن أسيد - بفتح الهمزة وكسر السين - بن خالد الغفاري يكنى أبا سريحة بايع تحت الشجرة ونزل الكوفة ومات بها.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث الثوري ، عن أبيه ومطرف وإسماعيل ، عن الشعبي ، عن أبي سريحة الغفاري قال: "أدركت - أو رأيت - أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- [كانا لا] يضحيان".

                                                الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن وروح بن الفرج القطان كلاهما عن يوسف بن عدي بن زريق عن أبي الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، عن سعيد بن مسروق عن عامر الشعبي عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد .

                                                وأخرجه الشافعي -رضي الله عنه- وقال: "بلغنا أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان كراهة أن يقتدى بهما فيظن من رآهما أنها واجبة".

                                                وقد يحتج بهذا الأثر من يذهب إلى أن الأضحية غير واجبة، وهو قول الثوري والشافعي وأبي ثور .

                                                وقال مالك: الأضحية أفضل من الصدقة إلا بمنى، لأنه ليس بموضع أضحية.

                                                وقال ربيعة وأبو الزناد وأحمد بن حنبل: الأضحية أفضل من الصدقة.

                                                وقال أبو حنيفة: الأضحية واجبة على المقيمين الواجدين من أهل الأمصار ولا تجب على بدوي.

                                                وقال أبو يوسف ومحمد: الأضحية ليست بواجبة ولكنها سنة.

                                                وقال إبراهيم النخعي: الأضحية واجبة على أهل الأمصار ما خلا الحاج.

                                                [ ص: 523 ] وقد أجيب عما روي عن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، أنهما تركا الأضحية مخافة أن يظنوا أنها فريضة.

                                                وقال أبو عمر: هذا محمله عند أهل العلم لئلا يعتقد فيها - للمواظبة عليها - أنها واجبة فرض، وكانوا أئمة يقتدى بهم من بعدهم لأنهم الواسطة بين النبي -عليه السلام- وبين أمته فساغ لهم الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم.

                                                قوله: "أفترى" الهمزة فيه للاستفهام وكذلك في قوله: "أولا ترى".

                                                قوله: "أما لغيره" بفتح الهمزة وتخفيف الميم.

                                                قوله: "أن يضحي أن يضحي" مرتين:

                                                الأول: مفعول لقوله: "أراد" في محل النصب.

                                                والثاني: في محل الرفع على الابتداء و: "أن" مصدرية وخبره قوله: "أما لغيره" وتقدير الكلام: أما لغير الإمام ممن أراد أن يضحي التضحية؟ فافهم.

                                                ***




                                                الخدمات العلمية