الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5647 ص: قال أبو جعفر - رحمه الله -: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا باع من رجل دابة بثمن معلوم على أن يركبها البائع إلى موضع معلوم؛ أن البيع جائز والشرط جائز، واحتجوا في ذلك بحديث جابر -رضي الله عنه- هذا.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأوزاعي ومالكا وأحمد وإسحاق وأبا ثور وابن المنذر؛ فإنهم قالوا: إذا باع دابة بشرط أن يركبها البائع إلى موضع معلوم؛ أن البيع صحيح والشرط صحيح.

                                                وقال ابن قدامة في "المغني": ويصح أن يشترط البائع منفعة البيع مدة معلومة، مثل أن يبيع دارا ويستثني سكناها شهرا، أو عبدا ويشترط خدمته سنة، أو جملا ويشترط ظهره إلى مكان؛ نص عليه أحمد، وهو قول الأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر، ثم احتج لهم بحديث جابر المذكور.

                                                وقال القاضي في "شرح مسلم": من الناس من أجاز بيع الدابة واستثناء البائع ركوبها أخذا بظاهر الحديث.

                                                وأما مالك فيجيزه بشرط أن تكون مسافة الركوب قريبة ويحمل هذا الحديث عليه.

                                                [ ص: 13 ] وقال الترمذي عقيب إخراج هذا الحديث: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، يرون الشرط جائزا في البيع إذا كان شرطا واحدا، وهو قول أحمد وإسحاق .

                                                وقال ابن حزم في "المحلى": قال أحمد: يبطل البيع إذا كان فيه شرطان، ويجوز إذا كان فيه شرط واحد.

                                                وذهب أبو ثور إلى جواز اشتراط البائع بعض ملكه كسكنى الدار مدة مسماة أو دهره كله، أو خدمة العبد كذلك، أو ركوب الدابة كذلك، أو لباس الثوب كذلك، وقال: جاز البيع والشرط؛ لأن الأصل له والمنافع، فباع ما شاء وأمسك ما شاء، وكل بيع اشترط فيه ما يحدث في ملك المشتري فالبيع جائز والشرط باطل، كالولاء ونحوه، وكل بيع اشترط فيه عمل أو مال على البائع أو على المشتري فالبيع والشرط باطلان معا.

                                                وفي "شرح الموطأ" لابن زرقون: قال أبو ثور: كل شرط اشترطه البائع على المبتاع مما كان البائع يملكه فهو جائز مثل ركوب الدابة وسكنى الدار، وكان من شرط على المشتري بعد ملكه مما لم يكن في ملك البائع مثل أن يعتق العبد ويكون ولاؤه للبائع، وأن لا يبيع ولا يهب ولا يتصدق فالبيع جائز والشرط باطل لا يجوز.

                                                وقاله ابن أبي ليلى أيضا.

                                                وقال أحمد: إذا كان في البيع شرط واحد جاز، وإن كان فيه شرطان بطل؛ للحديث: "لا يحل شرطان في بيع"، وشرطان في بيع أن يقول: أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا وإلى شهرين بكذا.

                                                قال أحمد: ومن شرطين في بيع أن يقول: أبيعك بذهب على أن تأخذ منه دراهم، الدينار بكذا، أو يبيعه بدراهم على أن يأخذ منه ذهبا، وحجته في إجازة شرط واحد حديث جابر -رضي الله عنه- في بيعه بعيره من النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن له ظهره إلى المدينة.




                                                الخدمات العلمية