الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5213 5214 5215 ص: واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا يوسف بن عدي ، قال: ثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، قال: "سألت الحسن بن محمد بن علي -رضي الله عنهم- عن قول الله - عز وجل -: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ؟ قال: أما قوله: فأن لله خمسه فهو مفتاح كلام: لله الدنيا والآخرة وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين، فاختلف الناس بعد وفاة رسول الله -عليه السلام-، فقال قائل منهم: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة، وقال قائل:

                                                [ ص: 296 ] سهم النبي -عليه السلام- للخليفة من بعده، ثم اجتمع رأيهم أن جعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله، فكان ذلك في إمارة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-".

                                                قال: أفلا ترى أن ذلك مما قد اجتمع أصحاب رسول الله -عليه السلام- أنه راجع إلى الكيل والسلاح الذي يكون عدة للمسلمين لقتال عدوهم؟ ولو كان ذلك لذوي قرابة رسول الله -عليه السلام- لما منعوا منه ولا صرف إلى غيرهم، ولا خفي ذلك على الحسن بن محمد ، مع علمه في أهله وتقدمه فيهم، وقد قال ذلك عبد الله بن العباس -رضي الله عنهما- في جوابه لنجدة لما كتب إليه يسأله عن سهم ذوي القربى.

                                                وذكروا في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، قال: حدثني عمي جويرية بن أسماء ، عن مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، أن يزيد بن هرمز ، حدثه: "أن نجدة صاحب اليمامة كتب إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى، فكتب إليه ابن عباس: : ( إنه لنا، وقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- دعانا ننكح منه أيمنا ونقضي منه عن غارمنا، فأبينا إلا أن يسلمه لنا كله ورأينا أنه لنا".

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي ، قال: سمعت قيسا ، يحدث، عن يزيد بن هرمز ، قال: "كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- يسأله عن سهم ذوي القربى الذي ذكر الله وفرض لهم. فكتب إليه - وأنا شاهد -: كنا نرى أنهم قرابة رسول الله -عليه السلام-؛ فأبى ذلك علينا قومنا".

                                                فهذا ابن عباس: يخبر أن قومهم أبوا عليهم أن يكون لهم، ولم يظلم من أبي ذلك عليه، فدل أن ما أريد من ذلك بقرابة رسول الله -عليه السلام- هو ما ذكرنا من الفقر والحاجة.

                                                فهذه حجج من ذهب إلى أن ذوي القربى لا سهم لهم، في الخمس، وأن ذلك لم يكن لهم في عهد رسول الله -عليه السلام- ولا من بعده.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج هؤلاء القوم أيضا فيما ذهبوا إليه بحديث قيس بن مسلم .

                                                أخرجه بإسناد صحيح.

                                                [ ص: 297 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": نا وكيع، قال: ثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية، قال: "اختلف الناس بعد وفاة رسول الله -عليه السلام- في هذين السهمين:

                                                سهم لرسول الله -عليه السلام-، وسهم ذي القربى، فقالت طائفة: سهم الرسول -عليه السلام- للخليفة من بعده.

                                                وقالت طائفة: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة. فأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع وفي العدة في سبيل الله".

                                                وأخرجه البيهقي: من حديث الثوري ، عن قيس بن مسلم، قال: "سألت الحسن بن محمد عن قوله تعالى: فأن لله خمسه وللرسول فقال: هذا مفتاح كلام: لله ما في الدنيا والآخرة".

                                                قوله: "وقد قال ذلك" أشار به إلى ما قاله الحسن بن محمد بن الحنفية .

                                                قوله: "وذكروا في ذلك" أي: ذكر هؤلاء القوم فيه ما قال عبد الله بن عباس .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح من طريقين:

                                                الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مالك في "موطئه".

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث يزيد بن هارون، أنا ابن إسحاق ، عن أبي جعفر محمد بن علي - أحسبه قال: والزهري - عن يزيد بن هرمز قال: "كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى، [لمن هو؟ قال: كتبت إلي

                                                [ ص: 298 ] تسألني عن سهم ذوي القربى لمن هو؟] قال: فهو لنا وكان عمر -رضي الله عنه- دعانا إلى أن ننكح منه أيمنا ونخدم منه عائلنا ونقضي منه غارمنا، فأبينا إلا أن يسلمه إلينا، وأبى أن يفعل، فتركناه".

                                                الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه جرير بن حازم ، عن قيس بن سعد ، عن يزيد بن هرمز ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مسلم: ثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا وهب بن جرير بن حازم، قال: حدثني أبي، قال: سمعت قيسا يحدث، عن يزيد بن هرمز .

                                                وحدثني محمد بن حاتم - واللفظ له - قال: ثنا بهز، قال: ثنا جرير بن حازم، قال: حدثني قيس بن سعد ، عن يزيد بن هرمز قال: "كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: فشهدت ابن عباس حين قرأ كتابه وحين كتب جوابه، وقال ابن عباس: والله لولا أن أرده عن نتن يقع فيه ما كتبت إليه ولا نعمة عين، قال: فكتب إليه: إنك سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكر الله، من هم؟ وإنا كنا نرى أن قرابة رسول الله -عليه السلام- هم [نحن]، فأبى ذلك علينا قومنا..." الحديث.

                                                قوله: "أيمنا" الأيم واحد الأيامى الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، يقال: رجل أيم سواء تزوج من قبل أو لم يتزوج، وامرأة أيم أيضا بكرا كانت أو ثيبا.

                                                قوله: "غارمنا" الغارم: الذي يلتزم ما ضمنه وتكفل به ويؤديه، والغريم الذي عليه الدين.




                                                الخدمات العلمية