الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5115 ص: حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا وهب، عن أبيه ، قال: سمعت النعمان يحدث، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، عن المقداد بن عمرو ، قال: "قلت: يا رسول الله، أرأيت إن اختلفت أنا ورجل من المشركين ضربتين فضربني فأبان يدي ثم قال: لا إله إلا الله، أقتله أم أتركه؟ قال: بل اتركه، قلت: قد أبان يدي! قال: نعم، فإن قتلته فأنت مثله قبل أن يقولها وهو بمنزلتك قبل أن تقتله".

                                                التالي السابق


                                                ش: وهب هو ابن جرير البصري، روى له الجماعة.

                                                وأبوه جرير بن حازم بن زيد البصري، روى له الجماعة.

                                                والنعمان هو ابن راشد الجزري ضعفه يحيى، وعنه: ليس بشيء. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى له الجماعة؛ البخاري مستشهدا.

                                                والزهري هو محمد بن مسلم .

                                                وعطاء بن يزيد الليثي ثم الجندعي أبو محمد المدني، [روى له الجماعة.

                                                وعبيد الله بن عدي بن الخيار القرشي النوفلي المدني، ولد في زمن النبي -عليه السلام- وكان من فقهاء قريش. قال العجلي: مدني تابعي ثقة. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

                                                والمقداد بن عمرو هو المقداد بن الأسود الصحابي -رضي الله عنه-.

                                                وأخرجه البخاري في "المغازي": عن أبي عاصم ، عن ابن جريج ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد ، عن عبيد الله بن عدي ، عن المقداد بن الأسود أنه قال

                                                [ ص: 175 ] للنبي -عليه السلام-: "أرأيت إن لقيت رجلا فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله بعد أن قالها؟ قال: لا تقتله. قلت: إنه قطع يدي؟! قال: لا تقتله؛ فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال".

                                                وأخرجه أيضا في "الديات": عن عبدان ، عن ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مسلم في "الإيمان": عن قتيبة وابن رمح ، عن الليث .

                                                وعن حرملة ، عن ابن وهب ، عن يونس.

                                                وعن إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق، عن معمر.

                                                وعن إسحاق بن موسى ، عن الوليد ، عن الأوزاعي .

                                                وعن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج، كلهم عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد ، عن عبيد الله بن عدي ، عن المقداد .

                                                وأخرجه أبو داود في "الجهاد": عن قتيبة ، عن الليث ، عن ابن شهاب ، عن عطاء ... إلى آخره.

                                                وأخرجه النسائي في "السير": عن قتيبة به.

                                                قوله: "فأبان يدي" من الإبانة وهي القطع.

                                                قوله: "أقتله" أي: هل أقتله؟.

                                                قوله: "فإن قتلته فأنت مثله قبل أن يقولها" قيل: معناه إنك كنت كذلك قبل أن يقول الكلمة التي قال هو، وذلك حين كنت بمكة بين المشركين فكنت تكتم

                                                [ ص: 176 ] إيمانك فلعل هذا أيضا كان ممن يكتم إيمانه بين المشركين وخرج معهم كرها كما أخرج أهل مكة من كان معهم من المسلمين إلى بدر كرها.

                                                فإن قيل: إذا كان المعنى كذلك؛ فكيف ذاك الرجل يقطع اليد والحال أنه ممن يكتم إيمانه؟.

                                                قلت: إنما فعل ذلك دفعا عن نفسه من يريد قتله، فجاز له كما جاز للمؤمن إذا أراد أن يقتله مؤمن أن يدفع عن نفسه بالقتل ونحوه.

                                                وإنما لم يقد -عليه السلام- قتيل أسامة لما قتله بعد أن قال: لا إله إلا الله وذلك حين بعثه -عليه السلام- مع سرية إلى الحرقات؛ لأنه قتله متأولا.

                                                وقيل: معنى هذا الكلام: إنك مثله قبل أن يقولها في مخالفة الحق وارتكاب الإثم، وإن اختلفت أنواع المخالفة والإثم.

                                                وقيل: إنك مثله يعني كنت كمثله قبل أن يقولها في إباحة الدم؛ لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدم بحق الدين، فإذا أسلم فقتله قاتل؛ كان مباح الدم بحق القصاص.

                                                قوله: "وهو بمنزلتك قبل أن تقتله" أي: وهو مثلك مسلم قبل أن يقتل فكيف تقتله؟

                                                ويستفاد من الحديث: إن تلفظ بكلمة التوحيد يحكم بإسلامه، ولكن هذا في حق المشرك الذي ينفي صانع العالم، أو يعترف بوجود الصانع ولكنه يشرك، وعن قريب يأتي الكلام فيه مستقصى.




                                                الخدمات العلمية