الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5234 [ ص: 339 ] ص: واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضا بما حدثنا سليمان بن شعيب ، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال: ثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، قال: سمعت طارق بن شهاب ، يقول: "إن أهل البصرة غزوا نهاوند، " ، وأمدهم أهل الكوفة فظفروا، فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة، ، وكان عمار -رضي الله عنه- على أهل الكوفة، ، فقال رجل من بني عطارد: : أيها الأجدع، تريد أن تشاركنا في غنائمنا؟! قال: فكتب في ذلك إلى عمر -رضي الله عنه-، فكتب عمر : -رضي الله عنه-: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة".

                                                قالوا: فهذا عمر -رضي الله عنه- قد ذهب إلى أن الغنيمة لمن شهد الوقعة، فقد وافق هذا قولنا.

                                                قيل لهم: قد يجوز أن تكون نهاوند فتحت وصارت دار إسلام، وأحرزت الغنائم وقسمت قبل ورود أهل الكوفة، . فإن كان ذلك كذلك فإنا نحن نقول أيضا: إنما الغنيمة في ذلك لمن شهد الوقعة، فإن كان جواب عمر -رضي الله عنه- الذي في هذا الحديث - لما كتب به إليه - إنما هو لهذا السؤال، فإن ذلك مما لا اختلاف فيه.

                                                وإن كان على أن أهل الكوفة لحقوا بهم قبل خروجهم من دار الشرك ، بعد ارتفاع القتال فكتب عمر -رضي الله عنه- أن الغنيمة لمن شهد الوقعة، فإن في ذلك الحديث ما يدل على أن أهل الكوفة قد كانوا طلبوا أن يقسم لهم وفيهم عمار بن ياسر ، ومن كان فيهم غيره من أصحاب النبي -عليه السلام-، فهم ممن تكافأ قولهم بقول عمر -رضي الله عنه-، فلا يكون واحد من القولين أولى من الآخر إلا بدليل عليه إما من كتاب وإما من سنة وإما من نظر صحيح.

                                                فنظرنا في ذلك، فرأينا السرايا المبعوثة من دار الحرب إلى بعض أهل الحرب أنهم إذا غنموا فهو بينهم وبين سائر أصحابهم، وسواء في ذلك من كان خرج في تلك السرية ومن لم يخرج؛ لأنهم قد كانوا بذلوا من أنفسهم ما بذل الذين سروا، فلم

                                                [ ص: 340 ] يفضل في ذلك بعضهم على بعض، وإن كان ما لقوا من القتال مختلفا، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك من بذل نفسه بمثل ما بذل به نفسه من حضر الوقعة، فهو في ذلك كمن حضر الوقعة إذا كان على الشرائط التي ذكرنا في هذا الباب.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج أهل المقالة الأولى أيضا لما ذهبوا إليه بظاهر قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إن الغنيمة لمن شهد الوقعة".

                                                أخرجه عن سليمان بن شعيب الكيساني صاحب محمد بن الحسن الشيباني ، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي الرصاصي وثقه أبو حاتم ، عن شعبة بن الحجاج ، عن قيس بن مسلم الجدلي الكوفي روى له الجماعة، عن طارق بن شهاب البجلي الكوفي، أدرك الجاهلية ورأى النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه البيهقي: من حديث شعبة، ثنا قيس بن مسلم، سمعت طارقا يقول: "إن أهل البصرة غزوا أهل نهاوند فأمدوهم بأهل الكوفة وعليهم عمار، فقدموا عليهم بعدما ظهروا على العدو، فطلب أهل الكوفة الغنيمة، وأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة من الغنيمة، فقال رجل من بني تميم لعمار: أيها الأجدع، تريد أن تشاركنا في غنائمنا؟! وكانت أذن عمار قد جدعت مع رسول الله -عليه السلام-، فكتبوا إلى عمر -رضي الله عنه-، فكتب إليهم: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة".

                                                قوله: "قيل لهم..." إلى آخره، جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى، وهو ظاهر.

                                                فإذا قيل: قد قال الشافعي: قد روي في معنى كتاب عمر وأبي بكر -رضي الله عنهما- لا يحضرني حفظه.

                                                [ ص: 341 ] وروى البيهقي أيضا: من حديث حصين بن مخارق ، عن سفيان ، عن بختري العبدي ، عن عبد الرحمن بن مسعود، عن علي -رضي الله عنه-: "الغنيمة لمن شهد الوقعة".

                                                قلت: الذي قاله الشافعي لا يجدي شيئا؛ لأنه عن مجهول، والذي رواه البيهقي لا شيء؛ لأن في إسناده ابن مخارق، وهو يضع الحديث؛ قاله الدارقطني .

                                                قوله: "غزوا نهاوند" وهي بضم النون وفتح الهاء، وفي آخره دال مهملة، مدينة جنوبي همدان على جبل، وكانت بها وقعة عظيمة للمسلمين في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وكان فتحها في سنة إحدى وعشرين من الهجرة على يد سعد بن أبي وقاص .

                                                قوله: "أيها الأجدع" الأجدع: مقطوع الآذان، وقد فسره البيهقي في روايته.

                                                قوله: "فهم" أي: أصحاب النبي -عليه السلام- "ممن تكافأ" أي: تساوى قولهم بقول عمر بن الخطاب، فإذا تساوى القولان فلا ترجيح لأحدهما على الآخر إلا بدليل من كتاب أو سنة أو قياس صحيح.

                                                والنظر الصحيح إذا تؤمل فيه يشهد ترجيح قول هؤلاء الصحابة على قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهو ما ذكره الطحاوي بقوله: "فنظرنا في ذلك..." إلى آخره.

                                                قوله: "من حضر الوقعة" في محل الرفع؛ لأنه فاعل لقوله: "ما بذل به نفسه"، فافهم.

                                                ...




                                                الخدمات العلمية