الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5256 ص: ثم لو ثبت على ما رواه عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري، لما كانت فيه أيضا حجة على من ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف في ذلك؛ لأن تزويج غيلان ذلك إنما كان في الجاهلية، قد بين ذلك سعيد بن أبي عروبة عن معمر في هذا الحديث.

                                                حدثناه خلاد بن محمد، قال: ثنا محمد بن شجاع ، عن يزيد بن هارون ، قال:

                                                [ ص: 371 ] أنا سعيد بن أبي عروبة ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي -عليه السلام- مثل حديث أحمد بن داود، ، وزاد: "أنه كان تزوجهن في الجاهلية". .

                                                فكان تزويج غيلان للنسوة اللائي كن عنده حين أسلم في وقت كان تزويج ذلك العدد جائزا والنكاح عليه ثابت، ولم يكن للواحدة حينئذ من ثبوت النكاح إلا ما للعاشرة مثله، ثم أحدث الله - عز وجل - حكما آخر وهو تحريم ما فوق الأربع، فكان ذلك حكما طارئا طرأت به حرمة حادثة على نكاح غيلان، ، فأمره النبي -عليه السلام- لذلك أن يمسك من النساء العدد الذي أباحه الله - عز وجل - ويفارق ما سوى ذلك، وجعل كرجل له أربعة نسوة فطلق منهن واحدة، فحكمه أن يختار واحدة منهن فيجعل ذلك الطلاق عليها ويمسك الأخر، وكذلك كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف يقولان في هذا.

                                                فأما من تزوج عشر نسوة بعد تحريم الله - عز وجل - ما جاوز الأربع في عقدة واحدة فإنما عقد النكاح عليهن عقدا فاسدا، فلا يثبت له بذلك نكاح، ألا ترى أنه لو تزوج ذات رحم محرم منه في دار الحرب وهو مشرك ثم أسلم؛ أنهما لا تقر عنده، وإن كان عقده لذلك كان في دار الحرب وهو مشرك؟ فلما كان هذا يرد حكمه فيه إلى حكم نكاحات المسلمين فيما يعتقدون في دار الإسلام، كان كذلك أيضا حكمه في العشر نسوة اللاتي تزوجهن وهو مشرك في دار الحرب، رد حكمه فيه إلى حكم المسلمين في نكاحاتهم؛ فإن كان تزوجهن في عقدة واحدة فنكاحهن باطل، وإن كان تزوجهن في عقد متفرقة جاز نكاح الأربع الأول منهن؛ وبطل النكاح لسائرهن.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عن الحديث المذكور الذي احتج به أهل المقالة الأولى، بطريق التسليم، بيانه أن يقال: ولئن سلمنا أن هذا الحديث متصل الإسناد وصحيحه؛ على ما رواه عبد الأعلى السامي، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام-، ولكن لا نسلم أن يكون فيه حجة على أهل المقالة الثانية؛ لأن تزويج غيلان ذلك إنما كان في الجاهلية... إلى آخر ما ذكره الطحاوي، وهو ظاهر.

                                                [ ص: 372 ] وأخرج الحديث المذكور عن خلاد بن محمد الواسطي ، عن محمد بن شجاع الثلجي - بالثاء المثلثة - أحد أصحاب أبي حنيفة، قد تكلموا فيه بما لا ينبغي، عن يزيد بن هارون الواسطي شيخ أحمد ، عن سعيد بن أبي عروبة روى له الجماعة، عن معمر بن راشد الأزدي البصري روى له الجماعة، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه عبد الله بن عمر ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا يزيد، أنا سعيد بن أبي عروبة ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر قال: "أسلم غيلان بن سلمة الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية، وأسلمن معه، فأمره النبي -عليه السلام- أن يختار منهن أربعا".

                                                وباقي الكلام ظاهر.




                                                الخدمات العلمية