الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5232 5233 ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا عيسى بن إبراهيم ، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد ، قال: ثنا كليب بن وائل ، قال: حدثني هانئ بن قيس ، عن حبيب بن أبي مليكة ، قال: " كنت قاعدا إلى جنب ابن عمر ، -رضي الله عنهما-، فأتاه رجل فقال: هل شهد عثمان بدرا؟ فقال: لا، ولكن رسول الله -عليه السلام- قال: إن عثمان

                                                [ ص: 336 ] انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله، فضرب له بسهم ولم يضرب لأحد غاب يوم بدر غيره".
                                                .

                                                أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام- قد ضرب لعثمان -رضي الله عنه- في غنائم بدر بسهم ولم يحضرها؛ لأنه كان غائبا في حاجة الله وحاجة رسوله؟ فجعله رسول الله -عليه السلام- كمن حضرها، فكذلك كل من غاب عن وقعة المسلمين بأهل الحرب لشغل شغله به الإمام من أمور المسلمين، مثل أن يبعثه إلى شق آخر من دار الحرب لقتال قوم آخرين، فيصيب الإمام غنيمة بعد مفارقة ذلك الرجل إياه، أو يبعث برجل ممن معه من دار الحرب إلى دار الإسلام ليمده بالسلاح والرجال، فلا يعود ذلك الرجل إلى الإمام حتى يغنم غنيمة، فهو شريك فيها، وهو كمن حضرها، وكذلك من أرادها فرده الإمام عنها وشغله بشيء من أمور المسلمين فهو كمن حضرها.

                                                وعلى هذا الوجه عندنا -والله أعلم- أسهم النبي -عليه السلام- لعثمان بن عفان -رضي الله عنه- في غنائم بدر، ولولا ذلك لما أسهم له كما لم يسهم لغيره ممن غاب عنها؛ لأن غنائم بدر لو كانت وجبت لمن حضرها دون من غاب عنها إذا لما ضرب النبي -عليه السلام- لغيرهم فيها بسهم، ولكنها وجبت لمن حضر الوقعة، ولكن من بذل نفسه لها فصرفه الإمام عنها وشغله بغيرها من أمور المسلمين كمن حضرها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.

                                                أخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن عيسى بن إبراهيم بن سيار الشعيري البصري شيخ أبي داود والبخاري في غير "الصحيح"، عن عبد الواحد بن زياد العبدي البصري، روى له الجماعة، عن كليب بن وائل التيمي البكري الكوفي روى له البخاري والترمذي، ووثقه يحيى وابن حبان ، عن هانئ بن قيس الكوفي وثقه ابن حبان، وروى له أبو داود ، عن حبيب بن أبي مليكة النهدي أبي ثور الكوفي وثقه أبو زرعة .

                                                [ ص: 337 ] وروى له أبو داود الحديث المذكور: ثنا محبوب بن موسى أبو صالح، ثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن كليب بن وائل ، عن هانئ بن قيس ، عن حبيب بن أبي مليكة ، عن ابن عمر قال: "إن رسول الله -عليه السلام- قام - يعني يوم بدر - فقال: إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله، وإني أبايع له، فضرب [له] رسول الله -عليه السلام- بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره".

                                                وجه الاستدلال به ظاهر؛ قد بينه الطحاوي مبسوطا.

                                                فإن قيل: استدلالكم بهذا الحديث لا يصح؛ لأنه خاص بعثمان -رضي الله عنه-؛ لأنه كان يمرض ابنة رسول الله -عليه السلام-، وهو معنى قوله: "حاجة الله وحاجة رسوله"، يريد بذلك حاجة عثمان في حق الله وحق رسوله.

                                                قال الخطابي: ومن احتج بهذا لمن لحق الجيش قبل القسم فهو غير مصيب؛ وذلك أن عثمان -رضي الله عنه- كان بالمدينة وهو القائل: "لا يقسم لمن كان في المصر" فلا موضع لاستدلاله.

                                                قلت: لا نسلم دعوى الخصوصية؛ لأنه -عليه السلام- ضرب بسهم لغير عثمان أيضا ممن كان في معنى غيبة عثمان وهم: طلحة بن عبيد الله وكان بالشام فضرب له النبي -عليه السلام- بسهمه، والحارث بن حاطب رجعه النبي -عليه السلام- إلى المدينة وضرب له بسهمه، وعاصم بن عدي كذلك، وخوات بن جبير ضرب له رسول الله -عليه السلام-، بسهمه، والحارث بن الصمة كسر بالروحاء فضرب له النبي -عليه السلام- وسعيد بن زيد قدم من الشام بعدما رجع النبي -عليه السلام- إلى المدينة فضرب له النبي -عليه السلام- بسهمه.

                                                فإذا تأملت كلام الطحاوي في قوله: "أفلا ترى..." إلى آخره، يظهر لك منه تمام الجواب عن هذا السؤال.




                                                الخدمات العلمية