الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل على رجل غيره بيتا ، فوجد المحلوف عليه فيه لم يحنث : لأنه لم يدخل على ذلك ، وإن علم أنه في البيت فدخل عليه حنث في قول من يحنث على غير النية ولا يرفع الخطأ ( قال المزني ) رحمه الله : قد سوى الشافعي في الحنث بين من حلف ففعل عمدا أو خطأ " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها أن يقول : والله لا دخلت على زيد بيتا فيدخل عليه ، فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يدخل عليه في بيته الذي هو ساكنه إما بملك أو إجارة أو غصب ، فإن كان ذاكرا ليمينه حنث ، وإن كان ناسيا ففي حنثه قولان ، وكذلك إذا دخل عليه مكرها على ما سنذكره من توجيه القولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يحنث بنفس الدخول .

                                                                                                                                            والثاني : لا يحنث بنفس الدخول ، ولا باستدامته مع تعذر الخروج ، فإن أمكنه الخروج فأقام ولم يخرج حنث باستدامة الدخول قولا واحدا ؛ لأنه قد وجد منه العقل وتجدد منه الذكر فصار كالعمد .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يدخل عليه في مسجد فقد نص الشافعي في كتاب الأم أنه لا يحنث لأن اسم البيت ينطلق على المسجد مجازا ، والحقيقة أن يسمى مسجدا ، فحمل على الحقيقة دون المجاز ، وعند مالك يحنث ؛ لأنه يعتبر الأسباب .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يدخل على عمرو بيتا ، فيكون زيد المحلوف عليه عنده في بيته ، فقد اختلف كلام الشافعي في حنثه بهذا الدخول ، فاختلف أصحابنا فيه على أربعة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : - وهو اختيار المزني - أنه يحنث علم أنه بالبيت أو لم يعلم اعتبارا بالفعل دون القصد ، وهو قول من حنث العامد والناسي .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو اختيار الربيع أنه لا يحنث علم أنه في البيت أو لم يعلم ؛ لأنه داخل على غيره اعتبارا بالمقاصد .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : وهو اختيار أبي العباس بن سريج أنه يحنث إن علم أنه في البيت [ ص: 366 ] ولا يحنث إن لم يعلم ؛ لأنه مع العلم قاصد ومع الجهل غير قاصد ، وهذا قول من فرق بين العمد والخطأ .

                                                                                                                                            والوجه الرابع : وهو مذهب عطاء أنه إن لم يعلم به أو علم فاستثناه بقلبه لم يحنث ، وإن علم ولم يستثنه ، حنث ، تخريجا ممن حلف لا يكلم زيدا ، فسلم على الجماعة وهو فيهم ، واستثناه بنيته لم يحنث على ما سنذكره من شرح المذهب فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية