الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو كانا في بيتين فجعل بينهما حدا ، ولكل واحد من الحجرتان باب ، فليست هذه بمساكنة وإن كانا في دار واحدة ، والمساكنة أن يكونا في بيت أو بيتين حجرتهما واحدة ومدخلهما واحد ، وإذا افترق البيتان أو الحجرتان فليست بمساكنة ، إلا أن يكون له نية فهو على ما نوى ، فإن قيل : ما الحجة في أن النقلة ببدنه دون متاعه وأهله وماله ؟ قيل : أرأيت إذا سافر أيكون من أهل السفر فيقصر ؟ أو رأيت لو تقطع إلى مكة ببدنه أيكون من حاضري المسجد الحرام الذين إن تمتعوا لم يكن عليهم دم ؟ [ ص: 347 ] فإذا قال : نعم ، فإنما النقلة والحكم على البدن لا على مال وأهل وعيال " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا حلف لا يساكنه ، وقد جمعتهما دار واحدة لم يخل حالهما في وقت اليمين من أن يكونا مجتمعين ، أو غير مجتمعين ، فإن لم يكونا مجتمعين ، وكانا خارجين ، أو أحدهما فقسمت الدار بينهما بحائط بني في وسطها ، وسكن كل واحد منهما أحد الجانبين بباب مفرد ، يدخل ويخرج منه ، بر في يمينه ، وليست هذه مساكنة ، وإنما هي مجاورة ، وإن كانا في وقت اليمين مجتمعين فشرعا في بناء حائط بينهما ، حنث ؛ لأنهما قبل كمال ما يقع بينهما متساكنان ولو كان في الدار حجرة ، فسكن أحدهما في الحجرة ، والآخر في الدار نظر ، فإن كان باب الحجرة إلى الدار ، حنث لأنهما متساكنان ، وإن انفردت الحجرة بباب غير باب الدار نظر ، فإن كان بابها إلى الدار مسدودا بر ، وإن كان بابها إلى الدار مفتوحا حنث ، ولو كان في الدار حجرتان فسكن كل واحد منهما في إحدى الحجرتين ، فإن لم تكن الدار مع واحد منهما بر ، وإن كان باب كل واحد منهما إلى الدار صارت كالخان الذي فيه حجر ، فلا يحنث إذا سكن كل واحد منهما في حجرة من الخان ، كذلك الدار ، وإن كانت الدار مع أحدهما ، فهو على ما مضى ، إذا كان في الدار حجرة واحدة ، فإنه لا يبر حتى تنفرد الحجرة عن الدار بباب للدخول والخروج منها بعد قطع ما بين الحجرة والدار .

                                                                                                                                            ولو كانا في دار واحدة فاختص كل واحد منهما ببيت منها ، فإن كانت الدار صغيرة ، حنث : لأنها مسكن واحد ، وإن كانت واسعة فإن اعتزلا الدار ، وتفردا بالبابين منها بباب يغلق كل واحد منهما على نفسه ، بر وصارا كساكني بيتين من خان جامع ، فلا يحنث بسكنى كل واحد منهما في بيت منه ، كذلك هذه الدار ، وإن لم يعتزلا الدار ، حنث ولو كانت الدار واحدة ، فسكن أحدهما في علوها ، وسكن الآخر في سفلها ، فإن كان مدخلهما ومخرجهما واحدا حنث ، وإن انفرد كل واحد منهما بمدخل ومخرج ، وانقطع ما بين العلو والسفل بر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية