[ ص: 295 ] باب من حلف بطلاق امرأته أن يتزوج عليها
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ومن قال لامرأته : أنت طالق إن تزوجت عليك ، فطلقها واحدة تملك الرجعة ، ثم تزوج عليها في العدة طلقت بالحنث ، وإن كانت بائنا لم يحنث " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا قال : لم يخل تزويجه من ثلاثة أحوال : إن تزوجت عليك فأنت طالق ثم تزوج عليها
أحدها : أن يتزوج عليها ، وهي باقية على نكاحه ، فقد طلقت سواء قرب زمان تزويجه أو بعد : لأنه قد جعله شرطا في وقوع الحنث ، فاستوى حكمه في القرب والبعد ، ولا فرق بين أن يتزوج عليها من يكافئها في نسبها وجمالها ، أو تقدم عنها في النسب والجمال ، ووافقنا مالك على هذا ، وإن خالفنا إذا حلف ، ليتزوجن عليها ، على ما سنذكر وإن تزوج عليها بعقد فاسد لم يحنث ؛ لأن فساد العقد يمنع من صحة الشرط ، وسواء دخل بها أو لم يدخل ويجيء على قول مالك أنه يحنث إن دخل بها ، ولا يحنث إن لم يدخل بها ، على معنى قوله : إذا نكح الوليان ودخل الثاني صح عقده .
والحال الثانية : أن يتزوج عليها وقد طلقها طلاقا رجعيا ، فلا يخلو حالها فيه من أن تكون باقية في العدة أو خارجة عنها ، فإن كانت باقية في عدتها طلقت بالحنث أخرى : لأنها لما طلقت في العدة إذا باشرها بالطلاق طلقت بالحنث في الطلاق ، ألا ترى أنه لو حلف بعتق عبده إن باعه ، فباعه عتق عليه بعد بيعه ؛ لأنه لو باشر عتقه في خيار المجلس عتق ، كذلك إذا حلف بعتقه عتق ، وإن تزوج عليها بعد انقضاء عدتها لم يلحقها بالحنث طلاق ؛ لأنه لا يلحقها بالمباشرة طلاق ، فلو تزوجها بعد انقضاء العدة ثم تزوج عليها نظر ، فإن كان قد تزوج عليها بعد انقضاء عدتها وقبل استئناف نكاحها لم تطلق إذا تزوج عليها بعد استئناف نكاحها لسقوط الشرط بالتزويج الأول ، وإن لم يتزوج عليها إلا بعد استئناف العقد الباقي عليها ، ففي حنثه بوقوع الطلاق عليها قولان :
أحدهما : يطلق لوجود عقد اليمين ، وشرط الحنث في نكاحها .
[ ص: 296 ] والقول الثاني : لا يطلق بالحنث لاختصاص يمينه بنكاح مضى فلم يجز أن يقع الحنث بها في نكاح مستقبل ؛ لأنه لا طلاق قبل نكاح .
والحال الثالثة : أن يتزوج عليها في النكاح ، وهي في عدة من طلاق بائن ، فلا يحنث بطلاقها ؛ لأنه لما لم يقع عليها الطلاق لو باشرها بالطلاق ، كذلك لم تطلق إذا حنث بالطلاق ، فإن تزوجها من بعد نكاح مستجد ، وتزوج عليها بعد أن كان قد تزوج لم يحنث ، ولو تزوج عليها وإن لم يكن قد تزوج ، فإن قيل في الطلاق الرجعي : لا يحنث ، ففي هذا أولى أن لا يحنث ، وإن قيل في الطلاق الرجعي : إنه يحنث ، ففي هذا الطلاق البائن قولان :
أحدهما : يحنث .
والثاني : لا يحنث ، وقد مضى مثل هذا في كتاب الطلاق مشروحا معللا .