الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت جواز السبق والرمي ، فهو مندوب إليه إن قصد به أهبة الجهاد ، ومباح إن قصد به غيره : لأنه قد يكون عدة للجهاد ، ويجوز أخذ العوض في المسابقة والمناضلة ، منهم ومن السلطان على ما سنصفه .

                                                                                                                                            وحكي عن أبي حنيفة أنه منع من أخذ العوض عليه بكل حال ، فمن متأخري أصحابه من أنكره من مذهبه ، وجعله موافقا .

                                                                                                                                            وقال مالك : إن أخرجه السلطان من بيت المال جاز ، وإن أخرجه المتسابقون المتناضلون لم يجز استدلالا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه أخذ عوض على لعب ، فأشبه أخذه على اللهو والصراع .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أخذ مال على غير بدل ، فأشبه القمار .

                                                                                                                                            ودليلنا : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل ، فلما استثناه في الإباحة دل على اختصاصه بالعوض ، ولولا العوض لما احتاج إلى الاستثناء لجواز جميع الاستباق بغير عوض .

                                                                                                                                            وروي أنه سئل عثمان بن عفان رضي الله عنه : أكنتم تراهنون على عهد رسول [ ص: 183 ] الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس له ، فجاءت سابقة ، فلهش لذلك ، وأعجبه .

                                                                                                                                            ومعلوم أن الرهن لا يكون إلا على عوض : ولأن في بذل العوض عليه تحريضا على الجهاد ، وبعثا على الاستعداد ، وامتثالا لأمر الله تعالى في قوله : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل [ الأنفال : 60 ] ، وما أفضى إلى هذه المصالح ، فأقل حاليه إذا لم يكن واجبا أن يكون مباحا .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلالهم ، بأنه لعب ، فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ما فيه من وجوه المصالح يخرجه عن حكم اللعب .

                                                                                                                                            والثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استثناه ، فقال : كل اللعب حرام إلا لعب الرجل بفرسه ، ولعبه بقوسه ، ولعبه مع زوجته .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلالهم بأنه قمار ، فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن السبق خارج عن القمار : لأن القمار ما لم يخل صاحبه من أخذ أو إعطاء ، وقد يخلو السابق من أخذ وإعطاء : لأن بينهما محللا .

                                                                                                                                            والثاني : أن تحريم القمار بالشرع ، وإباحة السبق بالشرع ، فلو جاز إلحاق السبق بالقمار من التحريم لجاز لأحد أن يلحق القمار بالسبق في التحليل ، فلما كان هذا في إباحة القمار فاسدا ، أوجب أن يكون في تحريم السبق فاسدا ، ولزم الوقوف على ما ورد به الشرع فيهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية