الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي فيما وضعه بخطه لا أعلمه سمع منه : " إن مر المضطر بتمر أو زرع لم أر بأسا أن يأكل ما يرد به جوعه ويرد قيمته ، ولا أرى لصاحبه منعه فضلا عنه ، وخفت أن يكون أعان على قتله ، إذا خاف عليه بالمنع الموت " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما غير المضطر إذا مر بثمرة غيره على نخلها أو شجرها ، لم يحل له أن يأكل منها بغير إذن مالكها سواء كانت بارزة أو من وراء جدار .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحاب الحديث : ينادي على الباب ثلاثا ، فإن أجابوه ، وإلا دخل ، وأكل ، ولم يدخر ، احتجاجا برواية نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا مر أحدكم بحائط غيره ، فليدخل ، فليأكل ، ولا يتخذ خبنة أي : لا يحمل منه شيئا ، وهذا المذهب فاسد لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه ، ضروع مواشيكم خزائن طعامكم ، أويحب أحدكم أن يدخل لخربة أخيه ، فيأخذ ما فيها بغير [ ص: 171 ] إذنه فنص على ألبان المواشي ، ونبه على ثمار النخل : لأن اللبن أسهل : لأنه مستخلف في كل يوم ، ومن الثمار ما لا يستخلف إلا من كل عام .

                                                                                                                                            فأما الخبر فمحمول على المضطر ، فأما سواقط النخل والشجر من الثمار ، وهو ما تساقط منها على الأرض : فإن كانت من وراء جدار قد أحرزها لم يجز للمار أن يتعرض لأخذها : لأن الحرز يمنع منها ، وإن كانت بارزة غير محرزة فإن لم تجر عادة أهلها بإباحتها حرم أخذها ، وإن جرت عادتهم بإباحتها كثمار النخل بالبصرة والمدينة ، فقد اختلف أصحابنا في العادة ، هل تجري مجرى الإذن في الإباحة أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها كالإذن ، فيحل لكل مار بها أن يأكل منها ، ولا يدخره ولا يتعرض لغير السواقط ، وقد حكي أن بعض العرب دخل حائطا بالمدينة ، فجعل يأكل من سواقط النخل ، فرآه صاحب الحائط ، فدعاه ، وعرض عليه الأكل ، فامتنع وقال : إنما هاج علي كلب الجوع ، فسكنته بتمرات .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن العادة لا تكون إذنا ، ولا يستبيح المار أكل السواقط إلا بإذن صريح كما لا يستبيح ما في النخل إلا بإذن صريح : لأن جميعه ملك لأربابه ، ونفوس الناس فيه مختلفة ، بالشح والسخاء ، فلم يكن عموم العرف فيه مقنعا .

                                                                                                                                            حكم المضطر إذا مر بثمرة ونحوها

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية