الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " ولو كان ممتنعا بعد رمية الأول يطير إن كان طائرا أو يعدو إن كان دابة ثم رماه الثاني فأثبته كان للثاني " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الصيد ضربان : ممتنع وغير ممتنع ، فأما الممتنع ، وهو ما بعد عن طلبه بطيرانه إن كان من الطير أو بعدوه إن كان من الدواب ، فلم يقدر عليه إلا بآلة يتوصل بها إليه . وأما غير الممتنع ، وهو صغاره الذي لم يتكامل قوته ، ولا يقدر أن ينهض بجناح إن كان طائرا ، ولا يعدو برجل إن كان دابة قال الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد [ المائدة : 94 ] فيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : معناه : ليكلفنكم إباحة ما أحله ، أو حظر ما حرمه .

                                                                                                                                            والثاني : ليختبرنكم في قبول أوامره ، والانتهاء عن زواجره .

                                                                                                                                            تناله أيديكم ورماحكم فيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : ما تناله أيدينا الصغار ، ورماحنا الكبار ، قاله ابن عباس فإن كان الصيد غير ممتنع لصغر لم يملك إلا بالأخذ والتناول : لقوله تعالى : تناله أيديكم ولا تكون ذكاته إلا في الحلق واللبة : لأنه مقدور عليه ، فلو دل عليه رجل وأخذه آخر ، كان ملكا لآخذه دون الدال عليه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : الصيد لمن صاده لا لمن أثاره ، فلو نبش عليه أحدهما بيته حتى طيره ، [ ص: 40 ] وأخذه الآخر كان للآخذ دون النابش ، فلو وقعت أيديهما عليه كان لأسبقهما يدا ، فإن استوت أيديهما معا كان بينهما يستوي فيه من أخذ برأسه ومن أخذ برجله أو ذنبه ، ولا يقسم عليهما بقدر أيديهما عليه ، ومواضعهما منه : لأن اليد على بعضه يد على جميعه ، ألا ترى أن رجلين لو تنازعا على دابة في يد أحدهما رأسها وفي يد الآخر ذنبها كانا في اليد عليها سواء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية