الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " وقال صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم وذكر اسم الله [ ص: 28 ] عليه فكلوه إلا ما كان من سن أو ظفر لأن السن عظم من الإنسان والظفر مدى الحبش ، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جعل ذكاة الإنسي مثل ذكاة الوحشي إذا امتنع قال : ولما كان الوحشي يحل بالعقر ما كان ممتنعا فإذا قدر عليه لم يحل إلا بما يحل به الإنسي كان كذلك الإنسي إذا صار كالوحشي ممتنعا حل بما يحل به الوحشي " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الذكاة تجوز بالحديد ، وبما صار في اللحم مور الحديد ، فذبح بحده لانتثله من محدد الخشب ، والقصب ، والزجاج ، والحجارة إلا أن يكون سنا أو ظفرا ، فلا تجوز الذكاة به ، وإن قطع بحده متصلا كان أو منفصلا ، وسواء كان من إنسان أو سبع ، وأجاز أبو حنيفة الذكاة به إذا كان منفصلا : ولم يجزها به إذا كان متصلا : احتجاجا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما أنهر الدم وفرى الأوداج ، فكل ، فكان على عمومه : ولأنه آلة يمكن الذبح بها ، فحلت ذكاتها كالحديد : ولأنها ذكاة منع منها لمعنى في الآلة ، فحلت كالسكين المغصوبة ، وفرق بين المتصل والمنفصل بأن المتصل يرض بثقله ، والمنفصل يشق بحده .

                                                                                                                                            ودليلنا : ما رواه الشافعي بإسناده عن رافع بن خديج أنه قال : قلت : يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا ، وليس معنا مدى أفنذكي بالليط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه ، فكلوا إلا بما كان من سن أو ظفر : فإن السن عظم من الإنسان والظفر مدى الحبشة .

                                                                                                                                            فاستثناهما من الإباحة ، فدخلا في التحريم ، وصار عموم أوله مخصوصا بآخره : ولأنه ذبح بعظم ، فوجب أن لا يحل كالمتصل : ولأن ما لم تحل الذكاة به إذا كان متصلا لم تحل الذكاة به إذا كان منفصلا كالشعر إذا حرق طردا والحديد إذا قطع عكسا : ولأنه في الاتصال أقوى وأمضى منه بعد الانفصال ، فلما لم تجز الذكاة به في أقوى حاليه ، كان بأن لا يجوز في أضعفهما أولى .

                                                                                                                                            فأما الخبر ، فقد يخصه آخره .

                                                                                                                                            وأما القياس على الحديد فيه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : بطلانه بالمتصل .

                                                                                                                                            والثاني : أن نص السنة يدفعه .

                                                                                                                                            وأما القياس على السكين المغصوبة ، فعنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المنع من السن في حق الله ، فصار كذبح ما لا يؤكل .

                                                                                                                                            والمنع من السكين المغصوبة في حق الآدميين ، فصار كذبح الشاة المغصوبة .

                                                                                                                                            والثاني : أن الذبح بالسن مختص بالذكاة : لجواز استعماله في غيرها ، والمنع من [ ص: 29 ] السكين المغصوبة غير مختص بالذكاة لتحريمها فيها وفي غيرها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية