ذكر بالشام الزلزلة وما فعلته
في هذه السنة أيضا ، ثاني عشر شوالا ، كانت زلازل عظيمة متتابعة هائلة لم ير الناس مثلها ، وعمت أكثر البلاد من الشام ، والجزيرة ، والموصل ، والعراق ، وغيرها [ ص: 353 ] من البلاد ، وأشدها كان بالشام ، فخربت كثيرا من دمشق ، وبعلبك ، وحمص ، وحماة ، وشيزر ، وبعرين ، وحلب ، وغيرها ، وتهدمت أسوارها وقلاعها ، وسقطت الدور على أهلها ، وهلك منهم ما يخرج عن الحد .
فلما أتاه الخبر سار إلى بعلبك ليعمر ما انهدم من سورها وقلعتها ، فلما وصلها أتاه خبر باقي البلاد ، وخراب أسوارها وقلاعها ، وخلوها من أهلها ، فجعل ببعلبك من يعمرها ويحميها ويحفظها ، وسار إلى حمص ، ففعل مثل ذلك ، ثم إلى حماة ، ( ثم إلى بعرين ) ، وكان شديد الحذر على سائر البلاد من الفرنج ، ثم أتى مدينة حلب ، فرأى فيها من آثار الزلزلة ما ليس بغيرها من البلاد ، فإنها كانت قد أتت عليها ، وبلغ الرعب ممن نجا كل مبلغ ، وكانوا لا يقدرون [ أن ] يأووا [ إلى ] مساكنهم خوفا من الزلزلة ، فأقام بظاهرها ، وباشر عمارتها بنفسه ، فلم يزل كذلك حتى أحكم أسوار البلاد وجوامعها .
وأما بلاد الفرنج فإن الزلازل أيضا عملت بها كذلك ، فاشتغلوا بعمارة بلادهم خوفا من نور الدين عليها ، فاشتغل كل منهم بعمارة بلاده خوفا من الآخر .