الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الحرب بين إيلدكز وإينانج

لما مات ملكشاه ابن السلطان محمود ، كما ذكرناه ، أخذ طائفة من أصحابه ابنه محمودا وانصرفوا به نحو بلاد فارس ، فخرج عليهم صاحبها زنكي بن دكلا السلغري ، فأخذه منهم وتركه في قلعة إصطخر ، فلما ملك إيلدكز والسلطان أرسلان شاه الذي معه البلاد ، وأرسل إيلدكز إلى بغداد يطلب الخطبة للسلطان ، كما ذكرناه ، شرع الوزير عون الدين أبو المظفر يحيى بن هبيرة ، وزير الخليفة ، في إثارة أصحاب الأطراف عليه ، وراسل الأحمديلي ، وكان ما ذكرناه ، وكاتب زنكي بن دكلا صاحب بلاد فارس يبذل له أن يخطب للملك الذي عنده ، وهو ابن ملكشاه ، وعلق الخطبة له بظفره بإيلدكز ، فخطب ابن دكلا للملك الذي عنده وأنزله من القلعة ، وضرب الطبل على بابه خمس نوب ، وجمع عساكره وكاتب إينانج صاحب الري يطلب منه الموافقة .

وسمع إيلدكز الخبر ، فحشد وجمع ، وكثر عسكره وجموعه فكانت أربعين ألفا ، وسار إلى أصفهان يريد بلاد فارس ، وأرسل إلى زنكي بن دكلا يطلب منه الموافقة [ على ] أن يعود يخطب لأرسلان شاه ، فلم يفعل ، وقال : إن الخليفة قد أقطعني بلاده وأنا سائر إليه ، فرحل إيلدكز ، وبلغه أن جشيرا لأرسلان بوقا ، وهو أمير من أمراء زنكي ، وفي أقطاعه أرجان ، بالقرب منه ، فأنفذ سرية للغارة عليه ، فاتفق أن أرسلان بوقا عزم على تغيير الخيل التي معه لضعفها ، وأخذ عوضها من ذلك الجشير ، فسار في عسكره إلى الجشير ، فصادف العسكر الذي سيره إيلدكز لأخذ دوابه ، فقاتلهم وأخذهم وقتلهم ، وأرسل الرءوس إلى صاحبه ، فكتب بذلك إلى بغداد ، وطلب المدد ، فوعد بذلك .

[ ص: 282 ] وكان الوزير عون الدين أيضا قد كاتب الأمراء الذين مع إيلدكز يوبخهم على طاعته ، ويضعف رأيهم ، ويحرضهم على مساعده زنكي ابن دكلا وإينانج ، وكان إينانج قد برز من الري في عشرة آلاف فارس ، فأرسل إليه ابن آقنسقر الأحمديلي خمسة آلاف فارس ، وهرب ابن البازدار ، صاحب قزوين ، وابن طغيرك وغيرهما ، فلحقوا بإينانج وهو في صحراء ساوة .

وأما إيلدكز فإنه استشار نصحاءه ، فأشاروا بقصد إينانج لأنه أهم ، فرحل إليه ، ونهب زنكي بن دكلا سهيرم وغيرها ، فرد إيلدكز إليه أميرا في عشرة آلاف فارس لحفظ البلاد . فسار زنكي إليهم ، فلقيهم وقاتلهم ، فانهزم عسكر إيلدكز إليه ، فتجلد لذلك وأرسل يطلب عساكر أذربيجان ، فجاءته مع ولده قزل أرسلان .

وسير زنكي بن دكلا عسكرا كثيرا إلى إينانج ، واعتذر عن الحضور بنفسه عنده لخوفه على بلاده من شملة ، صاحب خوزستان ، فسار إيلدكز إلى إينانج وتدانى العسكران ، فالتقوا تاسع شعبان وجرى بينهم حرب عظيمة أجلت عن هزيمة إينانج ، فانهزم أقبح هزيمة وقتلت رجاله ونهبت أمواله ، ودخل الري ، وتحصن في قلعة طبرك ، وحصر إيلدكز الري ، ثم شرع في الصلح ، واقترح إينانج اقتراحات ، فأجابه إيلدكز إليها ، وأعطاه جرباذقان وغيرها ، وعاد إيلدكز إلى همذان ، كان ينبغي أن تتأخر هذه الحادثة والتي قبلها ، وإنما قدمت لتتبع أخواتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية