الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر فرج بعد شدة يتعلق بالتاريخ

بالقرب من جزيرة ابن عمر حصن منيع من أمنع المعاقل اسمه فنك ، وهو على رأس جبل عال ، وهو للأكراد البشنوية ، له بأيديهم نحو ثلاثمائة سنة ، وكان صاحبه هذه السنة أمير منهم اسمه إبراهيم ، وله أخ اسمه عيسى ، قد خرج منه ، وهو لا يزال يسعى في أخذه من أخيه إبراهيم ، فأطاعه بعض بطانة إبراهيم ، وفتح باب السر ليلا ، وأصعد منه إلى رأس القلعة نيفا وعشرين رجلا من أصحاب عيسى ، فقبضوا على إبراهيم ومن عنده ، ولم يكن عنده إلا نفر من خواصه ، وهذه قلة على صخرة كبيرة مرتفعة عن سائر القلعة ارتفاعا كثيرا ، وبها يسكن الأمير وأهله وخواصه ، وباقي الجند في القلعة تحت القلة ، فلما قبضوا على إبراهيم جعلوه في خزانة ، وضربه بعضهم بسيف في يده على عاتقه ، فلم يصنع شيئا ، فلما جعل في الخزانة وكل به رجلان ، وصعد الباقون إلى سطح القلة ، ولا يشكون أن القلعة لهم لا مانع عنها .

ووصل من الغد بكرة الأمير عيسى ليتسلم القلعة ، وبينهما دجلة وكانت امرأة الأمير إبراهيم في خزانة أخرى ، وفيها شباك حديد ثقيل يشرف على القلعة ، فجذبته بيدها فانقلع ، وجند زوجها في القلعة لا يقدرون على شيء ، فلما قلعت الشباك أرادت أن تدلي حبلا ترفع به الرجال إليها ، فلم يكن عندها غير ثياب خام ، فوصلت بعضها ببعض ودلتها إلى القلعة ، وشدت طرفيها عندها في عود فأصعدت إليها عشرة رجال ، ولم يكن يراهم الذين على السطح .

ورأى الأمير عيسى ، وهو على جانب دجلة ، الرجال يصعدون ، فصاح هو ومن [ ص: 426 ] معه إلى أولئك الذين على السطح ليحذروا ، وكانوا كلما صاحوا صاح أهل القلعة لتختلف الأصوات فلا يفهم الذين على السطح ، فينزلون ويمنعون من ذلك ، فلما اجتمع عندها عشرة رجال أرسلت مع خادم عندها إلى زوجها قدح شراب وأمرته أن يقرب منه كأنه يسقيه الشراب ويعرفه الحال ، ففعل ذلك ، وجلس بين يديه ليسقيه ، وعرفه الحال ، فقال : ازدادوا من الرجال ، فأصعدت عشرين رجلا وخرجوا من عندها ، فمد إبراهيم يده إلى الرجلين الموكلين به ، فأخذ شعورهما ، وأمر الخادم بقتلهما ، وكان إبراهيم عنده ، فقتلهما بسلاحهما ، فخرج واجتمع بأصحابه وأرادوا فتح القلعة ليصعد إليه أصحابه من القلعة ، فلم يجد المفاتيح ، وكانت مع أولئك الرجال الذين على السطح ، فاضطروا إلى الصعود إلى سطح القلة ليأخذوا أصحاب عيسى ، فعلموا الحال ، فجاءوا ووقفوا على رأس الممرق فلم يقدر أحد [ أن ] يصعد ، فأخذ بعض أصحاب إبراهيم ترسا وجعله على رأسه ، وحصل في الدرجة ، وصعد وقاتل القوم على رأس الممرق ، حتى صعد أصحابه فقتلوا الجماعة وبقي منهم رجل ألقى نفسه من السطح ، فنزل إلى أسفل الجبل فتقطع . فلما رأى عيسى ما حل بأصحابه عاد خائبا مما أمله ، واستقر الأمير إبراهيم في قلعته على حاله .

التالي السابق


الخدمات العلمية