في هذه السنة ، في ذي الحجة ، مات ، صاحب قطب الدين مودود بن زنكي ، ابن آقنسقر الموصل ، بالموصل ، وكان مرضه حمى حادة ، ولما اشتد مرضه [ ص: 354 ] أوصى بالملك بعده لابنه الأكبر عماد الدين زنكي ، ثم عدل عنه إلى ابنه الآخر ، وإنما صرف الملك عن ابنه الأكبر سيف الدين غازي عماد الدين زنكي بن مودود ; لأن القيم بأمور دولته ، والمقدم فيها ، كان خادما له يقال له فخر الدين عبد المسيح ، وكان يكره عماد الدين ; لأنه كان طوع عمه نور الدين ، لكثرة مقامه عنده ، ولأنه زوج ابنته ، وكان نور الدين يبغض عبد المسيح ، فاتفق فخر الدين وخاتون ابنة حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي ، وهي والدة سيف الدين ، على صرف الملك عن عماد الدين إلى سيف الدين ، فرحل عماد الدين إلى عمه نور الدين مستنصرا به ; ليعينه على أخذ الملك لنفسه .
وتوفي قطب الدين وعمره نحو أربعين سنة ، وكان ملكه إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفا ، وكان فخر الدين هو المدبر للأمور والحاكم في الدولة ، وكان قطب الدين من أحسن الملوك سيرة ، وأعفهم عن أموال رعيته ، محسنا إليهم ، كثير الإنعام عليهم ، محبوبا إلى كبيرهم وصغيرهم ، عطوفا على شريفهم ووضيعهم ، كريم الأخلاق ، حسن الصحبة لهم ، فكأن القائل أراده بقوله :
خلق كماء المزن طيب مذاقة والروضة الغناء طيب نسيم كالسيف لكن فيه حلم واسع
عمن جنى والسيف غير حليم كالغيث إلا أن وابل جوده
أبدا وجود الغيث غير مقيم كالدهر إلا أنه ذو رحمة
والدهر قاسي القلب غير رحيم