الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر هرب الأمير أبي الحسن أخي المسترشد وعوده

لما اشتغل الناس ببيعة المسترشد بالله ، ركب أخوه الأمير أبو الحسن بن المستظهر بالله سفينة ، ومعه ثلاثة نفر ، وانحدر إلى المدائن ، وسار منها إلى دبيس بن صدقة بالحلة ، فكرمه دبيس ، وعلم منه وفاة المستظهر بالله ، وأقام له الإقامات الكثيرة ، فلما علم المسترشد بالله خبره أهمه ذلك وأقلقه ، وأرسل إلى دبيس يطلب منه إعادته ، فأجاب بأنني عبد الخليفة ، وواقف عند أمره ، ومع هذا فقد استذم بي ، ودخل منزلي ، فلا أكرهه على أمر أبدا .

وكان الرسول نقيب النقباء شرف الدين علي بن طراد الزينبي ، فقصد الأمير أبا الحسن ، وتحدث معه في عوده ، وضمن له عن الخليفة كل ما يريده فأجاب إلى العود ، وقال : إنني لم أفارق أخي لشر أريده ، وإنما الخوف حملني على مفارقته ، فإذا أمنني قصدته . وتكفل دبيس بإصلاح الحال بنفسه ، والمسير معه إلى بغداذ ، فعاد النقيب وأعلم الخليفة الحال ، فأجاب إلى ما طلبه منه .

ثم حدث من أمر البرسقي ودبيس ومنكوبرس ما ذكرناه ، فتأخر الحال .

وأقام الأمير أبو الحسن عند دبيس إلى ثاني عشر صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، ثم سار عن الحلة إلى واسط ، وكثر جمعه وقوي الإرجاف بقوته ، وملك مدينة واسط ، وخيف جانبه ، فتقدم الخليفة المسترشد بالله بالخطبة لولي عهده ولده أبي [ ص: 630 ] جعفر المنصور ، وعمره حينئذ اثنتا عشرة سنة ، فخطب له ثاني ربيع الآخر ببغداذ ، وكتب إلى البلاد بالخطبة له ، وأرسل إلى دبيس في معنى الأمير أبي الحسن ، وأنه الآن قد فارق جواره ، ومد يده إلى بلاد الخليفة وما يتعلق به ، وأمره بقصده ومعاجلته قبل قوته ، فأرسل دبيس العساكر عليه ، ففارق واسط ، وقد تحير هو وأصحابه ، فضلوا الطريق ، ووصلت عساكر دبيس ، فصادفوهم عند الصلح ، فنهبوا أثقاله ، وهرب الأكراد من أصحابه ، والأتراك ، وعاد الباقون إلى دبيس .

وبقي الأمير أبو الحسن في عشرة من أصحابه وهو عطشان ، وبينه وبين الماء خمسة فراسخ ، وكان الزمان قيظا ، فأيقن بالتلف ، وتبعه بدويان ، فأراد الهرب منهما ، فلم يقدر ، فأخذاه ، وقد اشتد به العطش ، فسقياه ، وحملاه إلى دبيس ، فسيره إلى بغداذ ، وحمله إلى الخليفة ، بعد أن بذل له عشرين ألف دينار ، فحمل إلى الدار العزيزة ، وكان بين خروجه عنها وعوده إليها أحد عشر شهرا .

ولما دخل على المسترشد بالله قبل قدمه ، وقبله المسترشد ، وبكيا ، وأنزله دارا حسنة كان هو يسكنها قبل أن يلي الخلافة ، وحمل إليه الخلع ، والتحف الكثيرة ، وطيب نفسه وأمنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية