الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( حرر ) ‏ * فيه من فعل كذا وكذا فله عدل محرر أي أجر معتق‏ . ‏ المحرر‏ : ‏ الذي جعل من العبيد حرا فأعتق . ‏ يقال‏ : ‏ حر العبد يحر حرارا بالفتح‏ : ‏ أي صار حرا .

                                                          [ ص: 363 ] * ومنه حديث أبي هريرة " فأنا أبو هريرة المحرر " أي المعتق‏ .

                                                          * وفي حديث أبي الدرداء شراركم الذين لا يعتق محررهم أي أنهم إذا أعتقوه استخدموه ، فإذا أراد فراقهم ادعوا رقه‏ .

                                                          ( ‏س‏ ) ‏ وفي حديث ابن عمر أنه قال لمعاوية : حاجتي عطاء المحررين ، فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءه شيء لم يبدأ بأول منهم أراد بالمحررين الموالي ، وذلك أنهم قوم لا ديوان لهم ، وإنما يدخلون في جملة مواليهم ، والديوان إنما كان في بني هاشم ، ثم الذين يلونهم في القرابة والسابقة والإيمان‏ . ‏ وكان هؤلاء مؤخرين في الذكر ، فذكرهم ابن عمر ، وتشفع في تقديم أعطياتهم ، لما علم من ضعفهم وحاجتهم ، وتألفا لهم على الإسلام * ‏ومنه حديث أبي بكر - رضي الله عنه - " أفمنكم عوف الذي يقال فيه : لا حر بوادي عوف ؟ قال لا " هو عوف بن محلم بن الشيباني ، كان يقال له ذلك لشرفه وعزه ، وأن من حل واديه من الناس كان له كالعبيد والخول‏ . ‏ والحر‏ : ‏ أحد الأحرار ، والأنثى حرة ، وجمعها حرائر‏ .

                                                          * ‏ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - " قال للنساء اللاتي كن يخرجن إلى المسجد : لأردنكن حرائر " أي لألزمنكن البيوت فلا تخرجن إلى المسجد ; لأن الحجاب إنما ضرب على الحرائر دون الإماء‏ .

                                                          ‏‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفي حديث الحجاج " أنه باع معتقا في حراره " الحرار بالفتح‏ : ‏ مصدر ، من حر يحر إذا صار حرا‏ . ‏ والاسم الحرية وفي قصيد كعب بن زهير‏ : ‏

                                                          قنواء في حرتيها للبصير بها عتق مبين وفي الخدين تسهيل

                                                          أراد بالحرتين‏ : ‏ الأذنين ، كأنه نسبهما إلى الحرية وكرم الأصل‏‏ ( ‏ه‏ ) ‏ وفي حديث علي أنه قال لفاطمة - رضي الله عنهما - : لو أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته خادما يقيك حر ما أنت فيه من العمل وفي رواية حار ما أنت فيه يعني التعب والمشقة [ ص: 364 ] من خدمة البيت ، لأن الحرارة مقرونة بهما ، كما أن البرد مقرون بالراحة والسكون‏ . ‏ والحار‏ : ‏ الشاق المتعب .

                                                          * ومنه حديث الحسن بن علي - رضي الله عنهما - " قال لأبيه لما أمره بجلد الوليد بن عقبة : ول حارها من تولى قارها " أي ول الجلد من يلزم الوليد أمره ويعنيه شأنه‏ . ‏ والقار ضد الحار .

                                                          ( ‏س‏ ) ‏ ومنه حديث عيينة بن حصن " حتى أذيق نساءه من الحر مثل ما أذاق نسائي " يريد حرقة القلب من الوجع والغيظ والمشقة .

                                                          ‏ ( ‏س‏ ) ‏ ومنه حديث أم المهاجر " لما نعي عمر قالت : واحراه ، فقال الغلام : حر انتشر فملأ البشر . " ‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفيه في كل كبد حرى أجر الحرى‏ : ‏ فعلى من الحر ، وهي تأنيث حران ، وهما للمبالغة ، يريد أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش‏ . ‏ والمعنى أن في سقي كل ذي كبد حرى أجرا‏ . ‏ وقيل‏ : ‏ أراد بالكبد الحرى حياة صاحبها ، لأنه إنما تكون كبده حرى إذا كان فيه حياة ، يعني في سقي كل ذي روح من الحيوان‏ . ‏ ويشهد له ما جاء في الحديث الآخر في كل كبد حارة أجر ( ‏س‏ ) ‏ والحديث الآخر ما دخل جوفي ما يدخل جوف حران كبد وما جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - " أنه نهى مضاربه أن يشتري بماله ذا كبد رطبة‏ " ( ‏س‏ ) ‏ وفي حديث آخر في كل كبد حرى رطبة أجر وفي هذه الرواية ضعف‏ . ‏ فأما معنى رطبة فقيل‏ : ‏ إن الكبد إذا ظمئت ترطبت‏ . ‏ وكذا إذا ألقيت على النار‏ . ‏ وقيل كنى بالرطوبة عن الحياة ، فإن الميت يابس الكبد . وقيل وصفها بما يئول أمرها إليه‏ .

                                                          ‏‏ ( ‏ هـ ‏ ) ‏ وفي حديث عمر - رضي الله عنه - وجمع القرآن " إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن أي اشتد وكثر ، وهو استفعل من الحر‏ : ‏ الشدة .

                                                          * ومنه حديث علي - رضي الله عنه - " حمس الوغا واستحر الموت " .

                                                          ( ‏ هـ ‏ ) ‏ وفي حديث صفين " إن معاوية زاد أصحابه في بعض أيام صفين خمسمائة خمسمائة ، [ ص: 365 ] فلما التقوا جعل أصحاب علي يقولون : لا خمس إلا جندل الإحرين " هكذا رواه الهروي . ‏ والذي ذكره الخطابي‏ : ‏ أن حبة العرني قال‏ : ‏ شهدنا مع علي يوم الجمل ، فقسم ما في العسكر بيننا ، فأصاب كل رجل منا خمسمائة‏ . ‏ فقال بعضهم يوم صفين‏ : ‏

                                                          قلت لنفسي السوء لا تفرين     لا خمس إلا جندل الإحرين

                                                          قال ورواه بعضهم‏ : ‏ لا خمس ، بكسر الخاء ، من ورد الإبل ، والفتح أشبه بالحديث‏ . ‏ ومعناه‏ : ‏ ليس لك اليوم إلا الحجارة والخيبة‏ . ‏ والإحرين‏ : ‏ جمع الحرة ، وهي الأرض ذات الحجارة السود ، وتجمع على حر ، وحرار ، وحرات ، وحرين ، وإحرين وهو من الجموع النادرة كثبين وقلين ، في جمع ثبة وقلة ، وزيادة الهمز في أوله بمنزلة الحركة في أرضين ، وتغيير أول سنين‏ . ‏ وقيل‏ : ‏ إن واحد إحرين‏ : ‏ إحرة .

                                                          * وفي حديث جابر - رضي الله عنه - فكانت زيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معي لا تفارقني حتى ذهبت مني يوم الحرة قد تكرر ذكر الحرة ويومها في الحديث ، وهو يوم مشهور في الإسلام أيام يزيد بن معاوية ، لما انتهب المدينة عسكره من أهل الشام الذين ندبهم لقتال أهل المدينة من الصحابة والتابعين ، وأمر عليهم مسلم بن عقبة المري في ذي الحجة سنة ثلاث وستين ، وعقيبها هلك يزيد‏ . ‏ والحرة هذه‏ : ‏ أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة ، وكانت الوقعة بها .

                                                          ‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفيه إن رجلا لطم وجه جارية ، فقال له : أعجز عليك إلا حر وجهها حر الوجه‏ : ‏ ما أقبل عليك وبدا لك منه‏ . ‏ وحر كل أرض ودار‏ : ‏ وسطها وأطيبها‏ . ‏ وحر البقل والفاكهة والطين‏‏ جيدها .

                                                          [ ‏ هـ ‏ ] ‏ ومنه الحديث ما رأيت أشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحسن ، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحر حسنا منه يعني أرق منه رقة حسن .

                                                          ‏ ( ‏ هـ ‏ ) ‏ وفي حديث عمر - رضي الله عنه - " ذري وأنا أحر لك " يقول ذري الدقيق لأتخذ لك منه حريرة‏ . ‏ والحريرة‏ : ‏ الحسا المطبوخ من الدقيق والدسم والماء وقد تكرر ذكر الحريرة في أحاديث الأطعمة والأدوية .

                                                          [ ص: 366 ] وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - " وقد سئلت عن قضاء صلاة الحائض فقالت : أحرورية أنت " الحرورية‏ : ‏ طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء بالمد والقصر ، وهو موضع قريب من الكوفة ، كان أول مجتمعهم وتحكيمهم فيها ، وهم أحد الخوارج الذين قاتلهم علي كرم الله وجهه‏ . ‏وكان عندهم من التشدد في الدين ما هو معروف ، فلما رأت عائشة هذه المرأة تشدد في أمر الحيض شبهتها بالحرورية وتشددهم في أمرهم ، وكثرة مسائلهم وتعنتهم بها‏ . ‏ وقيل أرادت أنها خالفت السنة وخرجت عن الجماعة كما خرجوا عن جماعة المسلمين‏ . ‏ وقد تكرر ذكر الحرورية في الحديث .

                                                          ‏‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفي حديث أشراط الساعة يستحل الحر والحرير هكذا ذكره أبو موسى في حرف الحاء والراء ، وقال‏ : ‏ الحر بتخفيف الراء‏ : ‏ الفرج ، وأصله حرح بكسر الحاء وسكون الراء ، وجمعه أحراح‏ . ‏ ومنهم من يشدد الراء وليس بجيد ، فعلى التخفيف يكون في حرح ، لا في حرر‏ . ‏ والمشهور في رواية هذا الحديث على اختلاف طرقه يستحلون الخز بالخاء المعجمة والزاي ، وهو ضرب من ثياب الإبريسم معروف ، وكذا جاء في كتابي البخاري وأبي داود ، ولعله حديث آخر ذكره أبو موسى ، وهو حافظ عارف بما روى وشرح ، فلا يتهم‏ . ‏ والله أعلم‏ .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية