ذكر جلال الدين أذربيجان . ملك
في هذه السنة استولى جلال الدين على أذربيجان ، وسبب ذلك أنه لما سار من دقوقا كما ذكرناه ، قصد كل مراغة فملكها وأقام بها ، وشرع في عمارة البلد ، فاستحسنه ، فلما وصل إليها ، أتاه الخبر أن الأمير إيغان طائيسي ، وهو خال أخيه غياث الدين ، قد قصد همذان قبل وصول جلال الدين بيومين .
وكان إيغان طائيسي هذا قد جمع عسكرا كثيرا يبلغون خمسة آلاف فارس . ونهب كثيرا من أذربيجان ، وسار إلى البحر من بلد أران ، فشتى هنالك لقلة البرد ، [ ص: 394 ] ولما عاد إلى همذان ، نهب أذربيجان أيضا مرة ثانية .
وكان سبب مسيره إلى همذان أن الخليفة الناصر لدين الله راسله وأمره بقصد همذان ، وأقطعه إياها وغيرها ، فسار ليستولي عليها كما أمر ، فلما سمع جلال الدين بذلك ، سار جريدة إليه ، فوصل إلى إيغان طائيسي ليلا ، وكان إذا نزل جعل حول عسكره جميع ما غنموا من أذربيجان وأران من خيل وبغال ، وحمير وبقر ، وغنم . فلما وصل جلال الدين ، أحاط بالجميع ، فلما أصبح عسكر إيغان طائيسي ورأى العسكر والجتر الذي يكون على رأس السلطان ، علموا أنه جلال الدين ، فسقط في أيديهم ; لأنهم كانوا يظنونه عند دقوقا ، فأرسل إيغان طائيسي زوجته ، وهي أخت جلال الدين ، تطلب له الأمان ، فأمنه وأحضره عنده ، وانضاف عسكره إلى عسكر جلال الدين ، وبقي إيغان طائيسي وحده إلى أن أضاف إليه جلال الدين عسكرا غير عسكره ، وعاد إلى مراغة ، وأعجبه المقام بها .
وكان أوزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وأران ، قد سار من تبريز إلى كنجة خوفا من جلال الدين ، وأرسل جلال الدين إلى من في تبريز من وال وأمير ورئيس يطلب منهم أن يتردد عسكره إليهم يمتارون ، فأجابوه إلى ذلك وأطاعوه ، فتردد العسكر إليها ، وباعوا واشتروا الأقوات والكسوات وغيرها ، ومدوا أيديهم إلى أموال الناس ، فكان أحدهم يأخذ الشيء ويعطي الثمن ما يريد ، فشكا بعض أهل تبريز إلى جلال الدين منهم ، فأرسل إليهم شحنة يكون عندهم ، وأمره أن يقيم بتبريز ، ويكف أيدي الجند عن أهلها ، ومن تعدى على أحد منهم صلبه .
فأقام الشحنة ، ومنع الجند من التعدي على أحد من الناس ، وكانت زوجة أوزبك ، وهي ابنة السلطان ، مقيمة طغرل بن أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه بتبريز ، وهي كانت الحاكمة في بلاد زوجها ، وهو مشغول بلذاته من أكل وشرب ولعب .
ثم إن أهل تبريز شكوا من الشحنة ، وقالوا : إنه يكلفنا أكثر من طاقتنا ، فأمر جلال الدين أنه لا يعطى إلا ما يقيم به لا غير ، ففعلوا ذلك ، وسار جلال الدين إلى تبريز وحصرها خمسة أيام ، وقاتل أهلها قتالا شديدا ، وزحف إليها فوصل العسكر إلى [ ص: 395 ] السور ، فأذعن أهلها بالطاعة ، وأرسلوا يطلبون الأمان منه ; لأنه كان يذمهم ، ويقول : قتلوا أصحابنا المسلمين ، وأرسلوا رؤوسهم إلى التتر الكفار ، وقد تقدمت الحادثة سنة إحدى وعشرين وستمائة ، فخافوا منه لذلك ، فلما طلبوا الأمان ذكر لهم فعلهم بأصحاب أبيه وقتلهم ، فاعتذروا بأنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك ، وإنما فعله صاحبهم ، ولم يكن لهم من القدرة ما يمنعونه ، فعذرهم ، وأمنهم ، وطلبوا منه أن يؤمن زوجة أوزبك ، ولا يعارضها في الذي لها بأذربيجان ، وهو مدينة خوي وغيرها من ملك ومال وغيره ، فأجابهم إلى ذلك .
وملك البلد سابع عشر رجب من هذه السنة ، وسير زوجة أوزبك إلى خوي ، ومعها طائفة من العسكر ، مع رجل كبير القدر ، عظيم المنزلة ، وأمرهم بخدمتها ، فإذا وصلت إلى خوي عادوا عنها .
ولما رحل جلال الدين إلى تبريز ، أمر أن لا يمنعوا عنه أحدا من أهلها ، فأتاه الناس مسلمين عليه ، فلم يحجبوا عنه ، وأحسن إليهم ، وبث فيهم العدل ، ووعدهم الإحسان والزيادة منه ، وقال لهم : قد رأيتم ما فعلت بمراغة من الإحسان والعمارة بعد أن كانت خرابا ، وسترون كيف أصنع معكم من العدل فيكم ، وعمارة بلادكم .
وأقام إلى يوم الجمعة ، فحضر الجامع ، فلما خطب الخطيب ودعا للخليفة ، قام قائما ، ولم يزل كذلك حتى فرغ من الدعاء وجلس .
ودخل إلى كشك كان أوزبك قد عمره ، وأخرج عليه من الأموال كثيرا ، فهو في غاية الحسن ، مشرف على البساتين ، فلما طاف فيه ، خرج منه وقال : هذا مسكن الكسالى لا يصلح لنا . وأقام أياما استولى فيها على غيرها من البلاد ، وسير الجيوش إلى بلاد الكرج .