الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر وصول جلال الدين إلى آمد ، وانهزامه عندها ، وما كان منه .

لما رأى جلال الدين ما يفعله التتر في بلاد أذربيجان ، وأنهم مقيمون بها يقتلون وينهبون ، ويأسرون ويخربون البلاد ، ويجبون الأموال ، وهم عازمون على قصده ، ورأى ما هو عليه من الوهن والضعف ، فارق أذربيجان إلى بلاد خلاط ، وأرسل إلى النائب بها عن الملك الأشرف يقول له : ما جئنا للحرب ولا للأذى ، إنما خوف هذا العدو حملنا على قصد بلادكم .

وكان عازما على أن يقصد ديار بكر والجزيرة ، ويقصد باب الخليفة يستنجده وجميع الملوك على التتر ، ويطلب منهم المساعدة على دفعهم ، ويحذرهم عاقبة إهمالهم ، فوصل إلى خلاط ، فبلغه أن التتر يطلبونه ، وهم مجدون في أثره ، فسار إلى آمد ، وجعل له اليزك في عدة مواضع خوفا من البيات ، فجاءت طائفة من التتر يقصون أثره ، فوصلوا إليه وهم على غير الطريق الذي فيه اليزك ، فأوقعوا به ليلا وهو بظاهر مدينة آمد ، فمضى منهزما على وجهه ، وتفرق من معه من العسكر وتمزقوا في كل وجه ، فقصد طائفة من عسكره حران ، فأوقع بهم الأمير صواب ومن معه من عسكر الكامل بحران ، فأخذوا ما معهم من مال ، وسلاح ودواب ، وقصد طائفة منهم نصيبين والموصل ، وسنجار وإربل وغير ذلك من البلاد ، فتخطفهم الملوك والرعايا ، وطمع فيهم كل أحد ، حتى الفلاح والكردي ، والبدوي وغيرهم ، وانتقم منهم وجازاهم على سوء صنيعهم ، وقبيح فعلهم في خلاط وغيرها ، وبما سعوا في الأرض من الفساد ، والله لا يحب المفسدين ، فازداد جلال الدين ضعفا إلى ضعفه ، ووهنا إلى وهنه بمن تفرق من عسكره ، وبما جرى عليهم .

فلما فعل التتر بهم ذلك ، ومضى منهزما منهم ، دخلوا ديار بكر في طلبه ; لأنهم [ ص: 448 ] لم يعلموا أين قصد ، ولا أي طريق سلك ، فسبحان من بدل أمنهم خوفا ، وعزهم ذلا ، وكثرتهم قلة ، فتبارك الله رب العالمين ، الفعال لما يشاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية