ذكر صنجيل الفرنجي وما كان منه في حصار طرابلس حال
كان صنجيل الفرنجي ، لعنه الله ، قد لقي قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش ، صاحب قونية ، وكان صنجيل في مائة ألف مقاتل ، وكان قلج أرسلان في عدد قليل ، فاقتتلوا ، فانهزم الفرنج وقتل منهم كثير ، وأسر كثير وعاد قلج أرسلان بالغنائم ، والظفر الذي لم يحسبه .
ومضى صنجيل مهزوما في ثلاثمائة ، فوصل إلى الشام ، فأرسل فخر الملك بن عمار ، صاحب طرابلس ، إلى الأمير ياخز ، خليفة جناح الدولة على حمص ، فإلى ، يقول : من الصواب أن يعاجل الملك دقاق بن تتش صنجيل إذ هو في هذه العدة القريبة ، فخرج الأمير ياخز بنفسه ، وسير دقاق ألفي مقاتل ، وأتتهم الأمداد من طرابلس ، فاجتمعوا على باب طرابلس ، وصافوا صنجيل هناك ، فأخرج مائة من عسكره إلى أهل طرابلس ، ومائة إلى عسكر دمشق ، وخمسين إلى عسكر حمص ، وبقي هو في خمسين .
فأما عسكر حمص فإنهم انكسروا عند المشاهدة ، وولوا منهزمين ، وتبعهم عسكر دمشق .
وأما أهل طرابلس فإنهم قاتلوا المائة الذين قاتلوهم فلما شاهد ذلك صنجيل حمل في المائتين الباقيتين ، فكسروا أهل طرابلس ، وقتلوا منهم سبعة آلاف رجل ، ونازل صنجيل طرابلس وحصرها .
[ ص: 474 ] وأتاه أهل الجبل فأعانوه على حصارها ، وكذلك أهل السواد ، وأكثرهم نصارى ، فقاتل من بها أشد قتال ، فقتل من الفرنج ثلاثمائة ، ثم إنه هادنهم على مال وخيل ، فرحل عنهم إلى مدينة أنطرسوس ، وهي من أعمال طرابلس ، فحصرها ، وفتحها ، وقتل من بها من المسلمين ، ورحل إلى حصن الطوبان وهو يقارب رفنية ، ومقدمه يقال له ابن العريض ، فقاتلهم ، فنصر عليه أهل الحصن ، وأسر ابن العريض منه فارسا من أكابر فرسانه ، فبذل صنجيل في فدائه عشرة آلاف دينار وألف أسير ، فلم يجبه ابن العريض إلى ذلك .