[ ص: 467 ] ذكر الوزير الأعز ووزارة الخطير أبي منصور قتل
في هذه السنة ، ثاني عشر صفر ، قتل الوزير الأعز أبو المحاسن عبد الجليل بن محمد الدهستاني ، وزير على السلطان بركيارق أصبهان ، وكان مع بركيارق محاصرا لها ، فركب هذا اليوم من خيمته إلى خدمة السلطان ، فجاء شاب أشقر ، قيل : إنه كان من غلمان أبي سعيد الحداد ، وكان الوزير قتله في العام الماضي ، فانتهز الفرصة فيه ، وقيل : كان باطنيا ، فجرحه عدة جراحات ، ( فتفرق أصحابه عنه ، ثم عادوا إليه ، فجرح أقربهم منه جراحات ) أثخنته ، وعاد إلى الوزير فتركه بآخر رمق .
وكان كريما ، واسع الصدر ، حسن الخلق ، كثير العمارة ، ونفر الناس منه لأنه دخل في الوزارة ، وقد تغيرت القوانين ، ولم يبق دخل ولا مال ، ففعل للضرورة ما خافه الناس بسببه .
وكان حسن المعاملة مع التجار ، فاستغنى به خلق كثير ، فكانوا يسألونه ليعاملهم ، فلما قتل ضاع منهم مال كثير .
حكي أن بعض التجار باعه متاعا بألف دينار ، فقال له : خذ بها حنطة من الراذان خمسين كرا ، كل كر بعشرين دينارا ، فامتنع التاجر من أخذها ، وقال : لا أريد غير الدنانير . فلما كان من الغد دخل إليه التاجر ، فقال له : يهنئك ، يا فلان فقال وما هو ؟ قال : خبر حنطتك ، فقال : ما لي حنطة ، ولا أريدها ، قال : بلى ، وقد بيعت كل كر بخمسين دينارا ، فقال : أنا لم أتقبل بها فقال الوزير : ما كنت أفسخ عقدا عقدته . قال : فخرجت وأخذت ثمن الحنطة ألفين وخمسمائة دينار ، وأضفت إليها مثلها وعاملته ، فقتل فضاع الجميع .
وكان قد نفق عليه عمل الكيمياء ، واختص به إنسان كيميائي ، فكان يعده الشهر بعد الشهر ، والحول بعد الحول ، وقال له بعض أصحابه ، وقد أحاله عليه بكر حنطة ، فاستزاده : لو كان صادقا في عمله ، لما كان يستزيد من القدر القليل ، وقتل ولم يصح له منه شيء .
ولما قتل الأعز أبو المحاسن وزر بعده الوزير الخطير أبو منصور الميبذي الذي كان وزير السلطان محمد .
[ ص: 468 ] وكان سبب فراقه لوزارة محمد أنه كان معه بأصبهان ، وبركيارق يحاصره ، وقد سلم إليه محمد بابا من أبوابها ليحفظها ، فقال له الأمير ينال بن أنوشتكين : كنت قد كلفتنا ، ونحن بالري ، لنقصد همذان ، وقلت : أنا أقيم بالعسكر من مالي ، وأحصل لهم ما يقوم بهم ، ولا بد من ذلك . فقال له الخطير : أنا أفعل ذلك . فلما كان الليل فارق البلد ، وخرج من الباب الذي كان مسلما إليه وقصد بلده ميبذ ، وأقام بقلعتها متحصنا ، فأرسل إليه وحصره ، فنزل منها مستأمنا ، فحمل على بغل بإكاف إلى العسكر ، فوصله في طريقه قتل السلطان بركيارق الوزير الأعز ، وكتاب السلطان له بالأمان ، وطيب قلبه ، فلما وصل إلى العسكر خلع عليه واستوزره .
حادثة يعتبر بها
في سنة ثلاث وتسعين [ وأربعمائة ] بيع رحل بني جهير ودورهم بباب العامة ، ووصل ثمن ذلك إلى مؤيد الملك ، ثم قتل في سنة أربع وتسعين مؤيد الملك وبيع ماله وبركه ، وأخذ الجميع وحمل إلى الوزير الأعز ، وقتل الوزير الأعز ، هذه السنة ، وبيع رحله ، واقتسمت أمواله ، وأخذ السلطان ومن ولي بعده أكثرها ، وتفرقت أيدي سبا ، وهذا عاقبة خدمة الملوك .