[ ص: 451 ] ذكر قلاعهم التي استولوا عليها ببلاد العجم
واستولوا على عدة حصون منها قلعة أصبهان ، وهذه القلعة لم تكن قديما ، وإنما بناها . السلطان ملكشاه
وسبب بنائها أنه كان قد أتاه رجل من مقدمي الروم ، فأسلم وصار معه ، فاتفق أنه سار يوما إلى الصيد ، فهرب منه كلب حسن الصيد ، وصعد هذا الجبل ، فتبعه السلطان والرومي معه ، فوجده موضع القلعة فقال له الرومي : لو أن عندنا مثل هذا الجبل لجعلنا عليه حصنا ننتفع به ، فأمر ببناء القلعة ، ومنع منها نظام الملك ، فلم يقبل قوله ، فلما فرغت جعل فيها دزدارا .
فلما انقضت أيام ، وصارت السلطان ملكشاه أصبهان بيد خاتون أزالت الدزدار ، وجعلت غيره فيها وهو إنسان ديلمي اسمه زيار ، فمات ، وصار بالقلعة إنسان خوزي ، فاتصل به أحمد بن عطاش ، وكان الباطنية قد ألبسوه تاجا ، وجمعوا له مالا ، وقدموه عليهم مع جهله ، وإنما كان أبوه مقدما فيهم ، فلما اتصل بالدزدار بقي معه ، ووثق به وقلده الأمور ، فلما توفي الدزدار استولى أحمد بن عطاش عليها ، ونال المسلمين منه ضرر عظيم من أخذ الأموال ، وقتل النفوس ، وقطع الطريق ، والخوف الدائم ، فكانوا يقولون : إن قلعة يدل عليها كلب ، ويشير بها كافر لا بد وأن يكون خاتمة أمرها الشر .
ومنها ألموت ، وهي من نواحي قزوين ، قيل إن ملكا من ملوك الديلم كان كثير التصيد ، فأرسل يوما عقابا ، وتبعه ، فرآه قد سقط على موضع هذه القلعة ، فوجده موضعا حصينا ، فأمر ببناء قلعة عليه ، فسماها أله موت ، ومعناه بلسان الديلم : تعليم العقاب ، ويقال لذلك الموضع وما يجاوره طالقان .
وفيها قلاع حصينة أشهرها ألموت ، وكانت هذه النواحي في ضمان شرفشاه الجعفري ، وقد استناب فيها رجلا علويا ، فيه بله وسلامة صدر .
وكان رجلا شهما ، كافيا ، عالما بالهندسة ، والحساب ، والنجوم ، والسحر ، وغير ذلك ، وكان رئيس الحسن بن الصباح الري إنسان يقال له أبو مسلم وهو صهر نظام الملك ، فاتهم بدخول جماعة من دعاة المصريين عليه ، فخافه [ ص: 452 ] الحسن بن الصباح ابن الصباح ، وكان نظام الملك يكرمه ، وقال له يوما من طريق الفراسة : عن قريب يضل هذا الرجل ضعفاء العوام ، فلما هرب الحسن من أبي مسلم طلبه فلم يدركه .
وكان من جملة تلاميذه ابن عطاش ، الطبيب الذي ملك قلعة أصبهان ، ومضى ابن الصباح فطاف البلاد ، ووصل إلى مصر ، ودخل على المستنصر صاحبها ، فأكرمه ، وأعطاه مالا ، وأمره أن يدعو الناس إلى إمامته ، فقال له الحسن : فمن الإمام بعدك ؟ فأشار إلى ابنه نزار ، وعاد من مصر إلى الشام ، والجزيرة ، وديار بكر ، والروم ، ورجع إلى خراسان ، ودخل كاشغر ، وما وراء النهر ، يطوف على قوم يضلهم ، فلما رأى قلعة ألموت ، واختبر أهل تلك النواحي ، أقام عندهم ، وطمع في إغوائهم ، ودعاهم في السر ، وأظهر الزهد ، ولبس المسح ، فتبعه أكثرهم ، والعلوي صاحب القلعة حسن الظن فيه ، يجلس إليه يتبرك به ، فلما أحكم الحسن أمره ، دخل يوما على العلوي بالقلعة ، فقال له ابن الصباح : اخرج من هذه القلعة ، فتبسم العلوي ، وظنه يمزح ، فأمر ابن الصباح بعض أصحابه بإخراج العلوي ، فأخرجوه إلى دامغان ، وأعطاه ماله وملك القلعة .
ولما بلغ الخبر إلى نظام الملك بعث عسكرا إلى قلعة ألموت ، فحصروه فيها ، وأخذوا عليه الطرق ، فضاق ذرعه بالحصر ، فأرسل من قتل نظام الملك ، فلما قتل رجع العسكر عنها .
ثم إن السلطان محمد بن ملكشاه جهز نحوها العساكر ، فحصرها ، وسيرد ذكر ذلك إن شاء الله تعالى .
ومنها طبس ، وبعض قهستان ، وكان سبب ملكهم لها أن قهستان كان قد بقي فيها بقايا من بني سيمجور ، أمراء خراسان ، أيام السامانية ، وكان قد بقي من نسلهم رجل يقال له المنور ، وكان رئيسا مطاعا عند الخاصة والعامة ، فلما ولي كلسارغ قهستان ظلم الناس وعسفهم ، وأراد أختا للمنور بغير حل ، فحمل ذلك المنور على أن التجأ إلى الإسماعلية ، وصار معهم ، فعظم حالهم في قهستان ، واستولوا عليها ومن جملتها خور ، وخوسف ، وزوزن ، وقاين ، وتون وتلك الأطراف المجاورة لها .
[ ص: 453 ] ومنها قلعة وسنمكوه ، ملكوها ، وهي بقرب أبهر سنة أربع وثمانين [ وأربعمائة ] ، وتأذى بهم الناس ، لا سيما أهل أبهر ، فاستغاثوا بالسلطان بركيارق ، فجعل عليها من يحاصرها ، فحوصرت ثمانية أشهر ، وأخذت منهم سنة تسع وثمانين [ وأربعمائة ] ، وقتل كل من بها عن آخرهم .
ومنها قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من أصبهان ، كانت لمؤيد الملك بن نظام الملك ، وانتقلت إلى جاولي سقاووا ، فجعل بها إنسانا تركيا ، فصادقه نجار باطني ، وأهدى له هدية جميلة ، ولزمه حتى وثق به ، وسلم إليه مفاتيح القلعة ، فعمل دعوة للتركي وأصحابه ، فسقاهم الخمر ، فأسكرهم ، واستدعى ابن عطاش ، فجاء في جماعة من أصحابه ، فسلم إليهم القلعة ، فقتلوا من بها سوى التركي فإنه هرب ، وقوي ابن عطاش بها ، وصار له على أهل أصبهان القطائع الكثيرة .
ومن قلاعهم المذكورة أستوناوند ، وهي بين الري وآمل ، ملكوها بعد ملكشاه ، نزل منها صاحبها ، فقتل وأخذت منه .
ومنها أردهن ، وملكها أبو الفتوح ابن أخت الحسن الصباح .
ومنها كردكوه وهي مشهورة .
ومنها قلعة الناظر بخوزستان ، وقلعة الطنبور وبينها وبين أرجان فرسخان أخذها أبو حمزة الإسكاف ، وهو من أهل أرجان ، سافر إلى مصر ، وعاد داعية لهم .
وقلعة خلادخان وهي بين فارس وخوزستان ، وأقام بها المفسدون نحو مائتي سنة يقطعون الطريق حتى فتحها عضد الدولة بن بويه ، وقتل من بها .
فلما صارت الدولة لملكشاه أقطعها الأمير أنر ، فجعل بها دزدارا ، فأنفذ إليه الباطنية الذين بأرجان يطلبون منه بيعها فأبى ، فقالوا له : نرسل إليك من يناظرك [ ص: 454 ] حتى يظهر لك الحق ، فأجابهم إلى ذلك ، فأرسلوا إليه إنسانا ديلميا يناظره ، وكان للدزدار مملوك قد رباه ، وسلم إليه مفاتيح القلعة ، فاستماله الباطني ، فأجابه إلى القبض على صاحبه ، وتسليم القلعة إليهم ، فقبض عليه ، وسلم القلعة إليهم ، ثم أطلقه ، واستولوا بعد ذلك على عدة قلاع هذه أشهرها .