ذكر بغداذ ثانية الفتنة بين أهل
وفي هذه السنة ، في جمادى الأولى ، كثرت الفتن ببغداذ بين أهل الكرخ وغيرها من المحال ، وقتل بينهم عدد كثير ، واستولى أهل المحال على قطعة كبيرة من نهر الدجاج ، فنهبوها ، وأحرقوها ، فنزل شحنة بغداذ ، وهو خمارتكين النائب عن كوهرائين ، على دجلة في خيله ورجله ، ليكف الناس عن الفتنة ، فلم ينتهوا ، وكان أهل الكرخ يجرون عليه وعلى أصحابه الجرايات والإقامات .
وفي بعض الأيام وصل أهل البصرة إلى سويقة غالب فخرج من أهل الكرخ من لم تجر عادته بالقتال ، فقاتلوهم حتى كشفوهم . فركب خدم الخليفة والحجاب والنقباء وغيرهم من أعيان الحنابلة ، ، كابن عقيل والكلوذاني ، وغيرهما ، إلى الشحنة ، وساروا معه إلى أهل الكرخ ، فقرأ عليهم مثالا من الخليفة يأمرهم بالكف ، ومعاودة السكون ، وحضور الجماعة والجمعة ، والتدين بمذهب أهل السنة ، فأجابوا إلى الطاعة .
فبينما هم كذلك أتاهم الصارخ من نهر الدجاج بأن السنة قد قصدوهم ، والقتال عندهم ، فمضوا مع الشحنة ، ومنعوا من الفتنة ، وسكن الناس وكتب أهل الكرخ على أبواب مساجدهم : خير الناس بعد رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - ، أبو بكر ثم عثمان ثم علي ، ومن عند هذا اليوم ثار أهل الكرخ ، وقصدوا شارع ابن أبي عوف ونهبوه . وفي جملة ما نهبوا دار ، فقصد الديوان مستنفرا ، ومعه [ ص: 331 ] الناس ، ورفع العامة الصلبان وهجموا على الوزير في هجرته ، وأكثروا من الكلام الشنيع ، وقتل ذلك اليوم رجل هاشمي من أهل أبي الفضل بن خيرون المعدل باب الأزج بسهم أصابه ، فثار العامة هناك بعلوي كان مقيما بينهم . فقتلوه وحرقوه ، وجرى من النهب ، والقتل ، والفساد أمور عظيمة ، فأرسل الخليفة إلى الدولة صدقة بن مزيد ، فأرسل عسكرا إلى بغداذ ، فطلبوا المفسدين والعيارين ، فهربوا منهم ، فهدمت دورهم ، وقتل منهم ونفي وسكنت الفتنة ، وأمن الناس .