ذكر الخوارج ببلد الموصل الحرب بين
في هذه السنة كان بين هارون الخارجي وبين محمد بن خرزاد ، وهو من الخوارج أيضا ، وقعة ببعدرى من أعمال الموصل .
وسبب ذلك أنا قد ذكرنا ، سنة ثلاث وستين ومائتين الحرب الحادثة بين هارون ، ومحمد بعد موت مساور ، فلما كان الآن جمع محمد بن خرزاد أصحابه وسار إلى هارون محاربا له ، فنزل واسط ، وهي محلة بالقرب من الموصل ، وكان يركب البقر لئلا يفر من القتال ، ويلبس الصوف الغليظ ، ويرقع ثيابه ، وكان كثير العبادة والنسك ، ويجلس على الأرض ليس بينها وبينه حائل .
فلما نزل واسط خرج إليه وجوه أهل الموصل ، وكان هارون بمعلثايا يجمع لحرب محمد ، فلما سمع بنزول محمد عند الموصل سار إليه ورحل نحوه ، فالتقوا بالقرب من قرية شمرخ ، واقتتلوا قتالا شديدا كان فيه مبارزة ، وحملات كثيرة ، فانهزم ابن خرزاد هارون ، وقتل من أصحابه نحو مائتي رجل ، منهم جماعة من الفرسان المشهورين ، ومضى هارون منهزما ، فعبر دجلة إلى الغرب قاصدا بني تغلب ، فنصروه واجتمعوا إليه ، ورجع من حيث أقبل ، وعاد ابن خرزاد هارون إلى الحديثة ، فاجتمع عليه خلق كثير ، وكاتب أصحاب ، واستمالهم ، فأتاه منهم الكثير ، ولم يبق مع ابن خرزاد إلا عشيرته من الشمردلية ، وهم من ابن خرزاد أهل شهرزور ، وإنما فارقه أصحابه لأنه كان [ ص: 390 ] خشن العيش ، وهو ببلد شهرزور ، وهو بلد كثير الأعداء ، من الأكراد وغيرهم .
وكان هارون ببلد الموصل قد صلح حاله وحال أصحابه ، فلما رأى أصحاب ذلك مالوا إليه وقصدوه ، وواقع ابن خرزاد بنواحي ابن خرزاد شهرزور الأكراد الجلالية وغيرهم ، فقتل ، وتفرد هارون ( بالرئاسة على الخوارج ) ، وقوي وكثر أتباعه ، وغلبوا على القرى ، والرساتيق ، وجعلوا على دجلة من يأخذ الزكاة من الأموال المنحدرة والمصعدة ، وبثوا نوابهم في الرساتيق يأخذون الأعشار من الغلات .