الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( علق ) الطلاق ( برؤية زيد ) مثلا ( أو لمسه ) والأوجه أن مسه هنا كلمسه وإن افترقا في نقض الوضوء ولاضطراد العرف هنا باتحادهما ( أو قذفه تناوله حيا ) نائما أو مستيقظا ( وميتا ) فيحنث برؤية شيء من بدنه متصل به غير نحو شعره نظير ما يأتي لا مع إكراه عليها ولو في ماء صاف أو من وراء زجاج شفاف دون خياله في نحو مرآة ، نعم لو علق برؤيتها وجهها فرأته في المرآة حنث إذ [ ص: 52 ] لا يمكنها رؤيته إلا كذلك ، صرح به القاضي في فتاويه فيما لو علق برؤيتها وجهها وبلمس شيء من بدنه لا مع إكراه عليه من غير حائل لا نحو شعر وظفر وسن سواء الرائي والمرئي واللامس والملموس العاقل وغيره ، ولو لمسه المعلق عليه لم يؤثر وإنما استويا في نقض الوضوء لأن المدار هنا على لمس شيء من المحلوف عليه ويشترط مع رؤية شيء من بدنه صدق رؤية كله عرفا ، بخلاف ما لو أخرج يده من كوة مثلا فرأتها فلا حنث .

                                                                                                                            ولو قال لعمياء إن رأيت فهو تعليق بمستحيل حملا لرأى على المتبادر منها ، أو علق برؤية الهلال أو القمر حمل على العلم به ولو برؤية غيرها أو بتمام العدد فتطلق بذلك لأن العرف يحمل ذلك على العلم ، بخلاف رؤية زيد مثلا فقد يكون الغرض زجرها عن رؤيته ، وعلى اعتبار العلم يشترط الثبوت عند الحاكم أو تصديق الزوج كما قاله ابن الصباغ وغيره ، ولو أخبره به صبي أو عبد أو امرأة أو فاسق فصدقه فالظاهر كما قاله الأذرعي مؤاخذته ، ولو قال أردت بالرؤية المعاينة صدق بيمينه . نعم إن كان التعليق برؤية عمياء لم يصدق لأنه خلاف الظاهر لكن يدين ، وإذا قبلنا التفسير في الهلال بالمعاينة ومضي ثلاث ليال ولم ير فيها من أول شهر تستقبله انحلت يمينه لأنه لا يسمى بعدها هلالا ، أما التعليق برؤية القمر مع تفسيره بمعاينته فلا بد من مشاهدته بعد ثلاث لأنه قبلها لا يسمى قمرا ، كذا أفتى به رحمه الله تعالى ، ولو قال إن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم فأنت طالق فرأته في المنام وأراد ذلك طلقت ، فإن نازعها فيها صدقت بيمينها إذ لا يطلع عليه إلا منها ، وإن أراد رؤيته لا في منام أو أطلق اتجه عدم الوقوع حملا لها على الحقيقة ( بخلاف ضربه ) فإنه لا يتناول سوى الحي إذ الغرض منه الإيلام ومن ثم صححا هنا اشتراط كونه مؤلما ، لكن خالفاه في الأيمان وصوبه الإسنوي إذ المدار على ما من شأنه ذلك ، وسيأتي ثم أن منه ما لو حذفها بشيء فأصابها ، وجمع الوالد رحمه الله تعالى بينهما بحمل الأول على اشتراطه بالقوة ، والثاني على نفي ذلك بالفعل .

                                                                                                                            ولو علق بتقبيل زوجته اختص بالحية بخلاف أمه ، لأن القصد ثم الشهوة وهنا الكرامة ، أو علق بتكليمها زيدا فكلمته وهو مجنون أو سكران سكرا يسمع معه ويتكلم ، وكذا إن كلمته وهي سكرى لا السكر الطافح طلقت لوجود الصفة ممن يكلم غيره ويكلم هو عادة ، فإن كلمته في نوم أو إغماء منه أو منها أو وهي مجنونة أو بهمس وهو خفض الصوت بالكلام بحيث لا يسمعه المخاطب أو نادته من مكان لا يسمع منه وإن فهمه بقرينة أو حملته إليه ريح وسمع لم تطلق إذ لا يسمى كلاما عادة نعم إن علق بتكليمها وهي مجنونة طلقت بذلك ، [ ص: 53 ] قاله القاضي ، وإن كلمته بحيث يسمع لكن انتفى ذلك لذهول منه أو شغل أو لغط ولو كان لا يفيد معه الإصغاء طلقت لأنها كلمته وانتفاء السماع لعارض وإن كان أصما فكلمته فلم يسمع لصمم بحيث لو لم يكن أصما لسمع لم تطلق كما جزم به ابن المقري وصرح به المصنف في تصحيحه ، وصحح الرافعي في الشرح الصغير الوقوع وجزم به في الروضة في كتاب الجمعة ونقله المتولي ثم عن النص ، والأوجه كما أفاده الشيخ حمل الأول على من لم يسمع ولو مع رفع الصوت ، والثاني على من يسمع مع رفعه ولو قال إن كلمت نائما أو غائبا عن البلد مثلا فأنت طالق لم تطلق لأنه تعليق بمستحيل ، كما لو قال إن كلمت ميتا أو حمارا أو إن كلمت زيدا فأنت طالق فكلمت نحو حائط وهو يسمع لم تطلق أو إن كلمت رجلا فكلمت أباها أو غيره من محارمها أو زوجها طلقت لوجود الصفة .

                                                                                                                            فإن قال قصدت منعها من مكالمة الرجال الأجانب قبل منه لأنه الظاهر ، أو إن كلمت زيدا وعمرا فأنت طالق طلقت بتكليم أحدهما وانحلت اليمين فلا يقع بتكليم الآخر شيء ، أو إن كلمت زيدا وعمرا لم تطلق إلا بكلامهما معا أو مرتبا ، أو إن كلمت زيدا ثم عمرا أو زيدا فعمرا اشترط تكليم زيد قبل عمرو متراخيا عنه في الأولى وعقب كلام زيد في الثانية واعلم أن الأصحاب إلا الإمام والغزالي يميلون في التعليق إلى تقديم الوضع اللغوي على العرف الغالب ، إذ العرف لا يكاد ينضبط هذا إن اضطرب ، فإن اطرد عمل به لقوة دلالته حينئذ ، وعلى الناظر التأمل والاجتهاد فيما يستفتى فيه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله وميتا ) أما في الرؤية واللمس فظاهر وأما في القذف فلأن قذف الميت كقذف الحي في الإثم والحكم ا هـ شرح المنهج . أقول : بل قذف الميت أشد من قذف الحي لأن الحي يمكن الاستحلال منه بخلاف الميت ( قوله : نظير ما يأتي ) أي في اللمس ( قوله : لا مع إكراه عليها ) أي الرؤية ( قوله ولو في ماء ) غاية في التناول فيحنث بكل ذلك ( قوله : ولو علق برؤيتها وجهها ) أي جملته لا بعضه [ ص: 52 ] الذي يمكن رؤيته بغير المرآة كجانبي المنحر وبعض الشفتين ( قوله : برؤيته وجهه ) أي وجه نفسه ( قوله : فهو تعليق بمستحيل ) أي فلا تطلق لأن التعليق بالمستحيل في الإثبات يقتضي عدم الوقوع بخلافه في النفي ( قوله : أو بتمام العدد ) أي للشهر ( قوله : صدق بيمينه ) أي فلا يحنث بإعلامه بل لا بد من رؤيته بنفسه ، ولا بد مع ذلك من كونه يسمى هلالا إن علق برؤية الهلال أو قمرا إن علق برؤية القمر ويسمى هلالا إلى ثلاثة أيام وبعدها يسمى قمرا ( قوله : حملا لها على الحقيقة ) وظاهره وإن كانت من الأولياء للتطوع برؤيتها له على الحقيقة لأن العصمة محققة فلا تزول إلا بيقين ( قوله : لا يتناول سوى الحي ) أي ولو نبيا وشهيدا ( قوله : بخلاف أمه ) أي فإنه يتناولها حية [ ص: 53 ] أو ميتة ( قوله : حمل الأول ) هو قوله لم تطلق ( قوله : والثاني ) هو قوله وصحح الرافعي إلخ ( قوله : أو غالبا ) أي حال النوم والغيبة ( قوله قبل منه ) أي ظاهرا وباطنا ( قوله : فإن اطرد عمل به ) ومحل العمل بهما حيث لم يعارضهما وضع شرعي وإلا قدم ، فلو حلف لا يصلي لم يحنث بالدعاء وإن كان معناها لغة لأنها موضوعة شرعا للهيئة المخصوصة ، وفي جمع الجوامع ثم هو : أي اللفظ محمول على عرف المخاطب : أي بكسر الطاء ، ففي الشرع الشرعي لأنه عرفه ثم العرفي العام ثم اللغوي ا هـ . ولا ينافي ما ذكر ا هـ سم على حج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ولو في ماء صاف ) غاية [ ص: 52 ] في المثبت ( قوله : وبلمس شيء من بدنه ) انظر لم لم يقيده هنا بالمتصل وهو معطوف على قوله برؤية شيء من بدنه ( قوله : العاقل وغيره ) هذا هو محط التسوية ، ولو زاد لفظ في عقب قوله سواء لكان واضحا ( قوله : فهو تعليق بمستحيل ) محله فيما إذا علق بغير رؤية الهلال والقمر ما يأتي ( قوله : من أول شهر تستقبله ) أي لأنه العرف في مثل ذلك كما هو ظاهر ( قوله : بخلاف أمه ) أي فيما إذا علق بتقبيلها فلا يختص بها حية [ ص: 53 ] قوله : هذا إن اضطرب فإن اطرد عمل به ) قضيته أن الإمام والغزالي يميلان إلى العرف وإن اضطرب وفيه ما وقد يقال إن الأصحاب إنما يميلون إلى العرف عند اضطراده إذا كان قويا كما سيأتي عن الشهاب حج وأما الإمام والغزالي ، فيميلان إليه حيث اضطرد وإن لم يقو ( قوله : وعلى الناظر التأمل ) أي في اضطراد العرف واضطرابه




                                                                                                                            الخدمات العلمية