الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( أكرهه على ) قطع أو ( قتل ) لشخص بغير حق كاقتل هذا وإلا قتلتك فقتله ( فعليه ) أي المكره بالكسر ولو إماما أو متغلبا ، ومنه آمر خيف من سطوته لاعتياده فعل ما يحصل به الإكراه لو خولف فأمره كالإكراه ( القصاص ) وإن كان المكره نحو مخطئ ، ولا نظر إلى أن المكره متسبب والمكره مباشر ، ولا إلى أن شريك المخطئ لا قود عليه ; لأنه معه كالآلة ، إذ الإكراه يولد داعية القتل في المكره فيدفع عن نفسه ويقصد به الإهلاك غالبا ، ولا يحصل الإكراه هنا إلا بضرب شديد فما فوقه له إلا لنحو ولده ، وكذا على المكره بالفتح حيث لم يكن أعجميا يعتقد وجوب طاعة آمره أو مأمور الإمام أو زعيم بغاة لم يعلم ظلمه بأمره بالقتل ( في الأظهر ) لإيثاره نفسه بالبقاء وإن كان كالآلة فهو كمضطر قتل غيره ليأكله ولعدم تقصير المجني عليه .

                                                                                                                            والثاني لا قصاص عليه لخبر { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } ولأنه آلة للمكره فصار كما لو ضربه به ، وقيل لا قصاص على المكره بكسر الراء ; لأنه متسبب ، بل على المكره [ ص: 259 ] بفتحها فقط ; لأنه مباشر ، وهي مقدمة ، ومحل الخلاف فيما إذا كان المكره عليه غير نبي ، فإن كان نبيا وجب على المكره بفتح الراء القصاص قطعا كما دل عليه كلامهم في المضطر ، وشمل كلامه ما إذا ظن أن الإكراه يبيحه ، وهو كذلك خلافا لما نقل عن البغوي من عدم القصاص عليه حينئذ ( فإن وجبت الدية ) لنحو خطأ أو عدم مكافأة أو عفو ، وهي على غير المخطئ مغلظة في ماله وعليه مخففة على عاقلته ( وزعت عليهما ) بالسوية كالشريكين في القتل ، نعم إن كان المأمور غير مميز أو أعجميا اختصت بالآمر ، وإن كان المأمور قنه فلا يتعلق برقبته شيء بل له التصرف فيه ولو كان معسرا ; لأنه آلة محضة ( فإن كافأه أحدهما فقط ) كأن أكره حر قنا أو عكسه على قتل قن ( فالقصاص عليه ) أي المكافئ منهما ، وهو المأمور في الأول والآمر في الثاني ، وللولي تخصيص أحد المتكافئين بالقتل وأخذ حصته من الدية من الآخر ( ولو ) ( أكره بالغ ) عاقل مكافئ ( مراهقا ) أو صبيا أو مجنونا أو عكسه على قتل ففعله ( فعلى البالغ ) المذكور ( القصاص إن قلنا عمد الصبي ) والمجنون ( عمد وهو الأظهر ) إن كان لهما فهم ، فإن قلنا خطأ فلا قصاص ; لأنه شريك مخطئ ، أما الصبي فلا قصاص عليه بحال لانتفاء تكليفه ( ولو ) ( أكره على رمي شاخص علم المكره ) بالكسر ( أنه رجل وظنه المكره ) بالفتح ( صيدا فرماه ) فمات ( فالأصح وجوب القصاص على المكره ) بالكسر ; لأن خطأه نتيجة إكراهه فجعل معه كالآلة ; إذ لم يوجد منه ارتكاب حرمة ولا قصد فعل ممتنع يخرجه عن كونه كالآلة له .

                                                                                                                            والثاني لا قصاص على المكره أيضا ; لأنه شريك مخطئ ، ورد بما مر من التعليل ، ويجب على من ظن السيد مثلا نصف دية مخففة على عاقلته في أوجه الوجهين كما يؤخذ من كلام [ ص: 260 ] الأنوار توجيهه واستوجهه الشيخ وإن جزم ابن المقري بخلافه ( أو ) أكره ( على رمي صيد ) في ظنهما ( فأصاب رجلا فمات ) ( فلا قصاص على أحد ) منهما لخطئهما فعلى عاقلتهما الدية بالسوية ( أو ) أكره ( على صعود شجرة ) أو نزول بئر ( فزلق ومات ) ( فشبه عمد ) ; لأنه لا يقصد به القتل غالبا ، وقضيته وجوب الدية على عاقلة المكره بكسر الراء ، وهو ما جزم به في التهذيب وهو الظاهر وإن حكى ابن القطان في فروعه عن نص الشافعي أنها في ماله ( وقيل ) هو ( عمد ) وأصله رأي للغزالي ، وعليه فيجب القصاص لتسببه في قتله فأشبه ما لو رماه بسهم ، ومحل هذا القول إذا كانت الشجرة مما يزلق على مثلها غالبا كما ذكره المصنف في نكت الوسيط ، فإن لم تكن مما يزلق على مثلها غالبا لم يأت القول المذكور ، وحينئذ فالتقييد ذلك لمحل الخلاف خلافا لما فهمه أكثر الشراح أنه قيد لشبه العمد فيكون في هذه الحالة خطأ فافهم هذا المقام ( أو ) أكره مميزا ولو أعجميا ( على قتل نفسه ) كاقتل نفسك وإلا قتلتك فقتلها ( فلا قصاص في الأظهر ) لانتفاء كونه إكراها حقيقة لاتحاد المأمور به والمخوف به فكأنه اختار القتل .

                                                                                                                            والثاني يجب كما لو أكرهه على قتل غيره ، ويجب على الأول على الأمر نصف الدية كما جزم به ابن المقري تبعا لأصله وهو المعتمد بناء على أن المكره شريك وإن سقط عنه القصاص للشبهة بسبب مباشرة المكره قتل نفسه .

                                                                                                                            نعم لو أكرهه على قتل نفسه بما يتضمن تعذيبا شديدا كإحراق أو تمثيل إن لم يقتل نفسه كان إكراها كما جرى عليه الزاز ومال إليه الرافعي وإن نازع فيه البلقيني ، أما غير المميز فعلى مكرهه القود لانتفاء اختياره ، وبه فارق الأعجمي ; لأنه لا يجوز وجوب الامتثال في حق نفسه ، وأما غير النفس كاقطع يدك وإلا قتلتك فهو إكراه ; لأن قطعها ترجى معه الحياة

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فأمره كالإكراه ) نعم لا أثر لأمر إمام وزعيم بغاة حيث لم يعلم المأمور ظلمه به فلا ضمان عليه ولا كفارة ، وإن بان ظلمه انتهى ، كذا في نسخة ، ولعل صورتها أن القاتل لم يخش سطوة الآمر لئلا يخالف ما قدمه

                                                                                                                            ( قوله : إلا بضرب شديد ) أي بحيث يخاف منه الهلاك كما يؤخذ من سم على منهج ثم الإكراه هنا إنما يحصل بالتهديد بالقتل أو غيره مما يخشى منه الهلاك ، ويوافق ذلك ما نقله الدميري عن الرافعي عن المعتبرين أن الإكراه لا يحصل إلا بالتخويف بالقتل أو بما يخاف منه التلف كالقطع والجرح والضرب الشديد ، بخلاف الطلاق فإن الإكراه فيه لا ينحصر في ذلك على الأظهر

                                                                                                                            ( قوله : فما فوقه ) أي كالقتل والقطع

                                                                                                                            ( قوله : أو زعيم ) أي مأمور

                                                                                                                            ( قوله : ولعدم تقصير المجني عليه إلخ ) ولا خلاف في إثمه كالمكره على الزنا وإن سقط الحد عنه ; لأن حق الله يسقط بالشبهة ويباح به بقية المعاصي .

                                                                                                                            قال حج : وبالأولين يخص عموم { وما استكرهوا عليه } وكتب عليه سم قوله ولا خلاف إلخ ، والكلام في القتل المحرم لذاته ، وأما المحرم لغيره كقتل صبيان الكفار ونسائهم فيباح بالإكراه كما قاله ابن الرفعة انتهى شرح الروض .

                                                                                                                            وقوله : ويباح به بقية المعاصي دخل فيها القذف ، والإباحة لا تنافي الوجوب في بعض الصور ، ففي الروض وشرحه ويباح بل يجب كما قاله الغزالي في وسيطه ، ونقل ابن الرفعة الاتفاق على إتلاف مال الغير وصيد الحرم ويضمنهما : أي كل من المكره والمكره المال والصيد [ ص: 259 ] والقرار على المكره الآمر ، ويفرق بتغليظ أمر القتل والزجر عنه بتضمين كل منهما قرارا انتهى .

                                                                                                                            وانظر ما المراد بالإباحة التي لا تنافي الوجوب فإنه إن أريد بها التخيير أشكل فإنه ينافي الوجوب بداهة فتأمل ، ولعل المراد بها أن الفعل ليس محرما فلا ينافي كونه واجبا

                                                                                                                            ( قوله : فإن كان نبيا ) ولا يلحق به العالم والولي والإمام العادل

                                                                                                                            ( قوله : قطعا ) أي لحرمة النبي بالنسبة لغيره ولأنه يجب على غيره فداؤه بنفسه

                                                                                                                            ( قوله : كما دل عليه كلامهم ) أي في المضطر

                                                                                                                            ( قوله : خلافا لما نقل عن البغوي ) ويتعين حمله بعد تسليمه على ما إذا أمكن خفاء ذلك عليه

                                                                                                                            ( قوله : وإن كان المأمور قنه ) والحال أنه غير مميز إلخ

                                                                                                                            ( قوله : أو عكسه ) أي كأن أكره قن حرا ، وقوله على قتل قن متعلق بالصورتين فيقتل القن فيهما آمرا كان أو مأمورا

                                                                                                                            ( قوله : أما الصبي فلا قصاص ) أي وعليه نصف دية عمد

                                                                                                                            ( قوله : لأن خطأه ) أي المكره

                                                                                                                            ( قوله : نتيجة ) جواب عن تمسك به مقابل الأصح من أنه شريك مخطئ ، وهو لا يقتل ، وحاصل الجواب أن خطأه لما نشأ من إكراه المتعمد ألغي بالنظر للمكره واعتبر كونه آلة له . ( تنبيه )

                                                                                                                            لا يبيح الإكراه القتل المحرم لذاته ، بخلاف المحرم لفوات المالية كنساء الحربيين وذراريهم فإنه يباح بالإكراه ، وكذا لا يبيح الزنا واللواط ، ويجوز لكل منهما دفع المكره بما أمكنه ، ويباح به شرب الخمر والإفطار في رمضان والخروج من صلاة الفرض ، ويباح به الإتيان بما هو كفر قولا أو فعلا مع طمأنينة القلب بالإيمان ، وعلى هذا فأوجه أصحها الأفضل أن يثبت ولا ينطق بها .

                                                                                                                            والثاني الأفضل مقابله صيانة لنفسه .

                                                                                                                            والثالث إن كان من العلماء المقتدى بهم فالأفضل الثبوت والرابع إن كان يتوقع منه الإنكاء والقيام بأحكام الشرع ، [ ص: 260 ] فالأفضل أن ينطق بها لمصلحة بقائه وإلا فالأفضل الثبات ، ويباح به إتلاف مال الغير .

                                                                                                                            وقال في الوسيط : بل يجب وتبعه الحاوي الصغير فجزم بالوجوب والمكره على شهادة الزور ،

                                                                                                                            قال الشيخ عز الدين : ينبغي أن ينتظر فيما تقتضيه فإن اقتضت قتلا ألحقت به ا هـ دميري

                                                                                                                            ( قوله : أو أكره ) منه يعلم أنه لو علم من حال المكره أنه لا يحقق ما هدد به لا يكون ذلك إكراها ، وعليه فلو قيد المكره بالفتح وعلم من حال المكره بالكسر أنه لا يريد قتل نفسه ، وإنما أراد مجرد التهكم والاستهزاء بالمكره لم يكن إذنا كما أنه ليس بإكراه فيقتل المكره

                                                                                                                            ( قوله : نصف الدية ) أي دية عمد أخذا من قوله بناء على أن المكره شريك إلخ ( قوله : ; لأن قطعها ترجى معه الحياة ) بقي ما لو قال : اقتل نفسك وإلا قطعت يدك ، والقياس أنه ليس بإكراه أخذا مما مر في ضابط الإكراه من أنه لا بد في المكره به أن يتولد منه الهلاك عادة على أن المخوف به هنا دون المأمور به ، وقضية تعليل الشارح أن ذلك ليس بإكراه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 258 ] قوله : إلا بضرب شديد ) أي يؤدي إلى القتل كما يؤخذ من حواشي سم على المنهج فلتراجع ( قوله : أو مأمور الإمام ) قال في الأنوار : وليس المراد بالإمام هنا المتولين على الرقاب والأموال الممزقين لهم كالسباع والمنتهبين لأموالهم كأهل الحرب إذا ظفروا بالمسلمين ، بل المراد به العادل الذي لا يعرف منه الظلم والقتل بغير حق ( قوله : ولعدم تقصير المجني عليه ) أي ، فيخرج الصائل [ ص: 259 ] قوله : وهي على غير المخطئ ) عبارة التحفة وهي على المتعمد مغلظة في ماله وعلى غيره مخففة على عاقلته ( قوله : لم يتعلق برقبته شيء ) أي والصورة أنه غير مميز والقصاص على السيد ( قوله : أو صبيا ) كأنه من عطف العام على الخاص ( قوله : إن كان لهما فهم ) مثله في التحفة ، وهو ساقط في أكثر نسخ الشارح وكأنه قيد لكون عمده عمدا [ ص: 260 ] قوله : وأصله رأي للغزالي ) عبارة الدميري : وهو قول الغزالي ( قوله : في هذه الحالة ) يعني : إذا لم يزلق على مثلها غالبا ( قوله : وإلا قتلتك ) ليس بقيد




                                                                                                                            الخدمات العلمية