الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( أو ) اصطدم ( سفينتان ) وغرقتا ( فكدابتين والملاحان ) فيهما وهما المجريان لهما ( كراكبين ) فيما مر ( إن كانتا ) أي السفينتان وما فيهما ( لهما ) فيهدر نصف بدل كل سفينة ونصف ما فيها ويلزم كلا منهما للآخر نصف بدل سفينته ونصف ما فيها ، فإن ماتا بذلك لزم كلا منهما كفارتان ولزم عاقلة كل منهما نصف دية الآخر ، وما استثناه البلقيني والزركشي من التشبيه المذكور من أنه لو كان الملاحان صبيين وأقامهما الولي أو أجنبي فالظاهر أنه لا يتعلق به ضمان ; لأن الوضع في السفينة ليس بشرط ، ولأن العمد من الصبيين هنا هو المهلك مردود إذ الضرر المرتب على غرق السفينة أشد من الضرر الحاصل من الركوب ( فإن كان فيهما مال أجنبي لزم كلا ) من الملاحين ( نصف ضمانه ) فإن حملا أنفسا وأموالا فيهما وتعمدا الاصطدام بمهلك غالبا اقتص منهما لواحد بالقرعة وديات الباقين ، وضمان الأموال والكفارات بعدد من أهلكا من الأحرار والعبيد في مالهما ولا يهدر مما فيهما شيء ، ولو مات أحدهما دون الآخر اقتص منه بناء على إيجاب القصاص على شريك جارح نفسه ، وأما سفينتاهما فيهدر نصفهما ويلزم كلا منهما نصف بدل ما للآخر ويقع التقاص فيما يشتركان فيه ، ويعلم مما يأتي أنه مخير [ ص: 366 ] بين أخذ بدل جميع ماله من أحد الملاحين ثم يرجع بنصفه على الآخر وبين أخذ نصفه منه ونصفه من الآخر ( وإن كانتا لأجنبي ) وهما أجيران للمالك ، أو أمينان له ( لزم كلا نصف قيمتهما ) ; لأن مال الأجنبي لا يهدر شيء منه ، ولكل مطالبة أمينه بالكل لتقصيره فدخلت سفينته ، وما فيها في ضمانه وقد شاركه في الإتلاف غيره فضمنتا نصفين ، وللغارم الرجوع على صاحبه بحصته ، وإن كان الملاحان عبدين تعلق الضمان برقبتهما ، فإن وقع الاصطدام لا باختيارهما وقصرا بأن سيراهما في ريح شديدة لا تسير السفن في مثلها أو لم يعدلاهما عن صوب الاصطدام مع إمكانه أو لم يكملا عدتهما من الرجال والآلات فضمان ما هلك عليهما لكن لا قصاص ، فإن لم يقصرا وغلب الريح فلا ضمان ، والقول قولهما بيمينهما في عدم تقصيرهما ، وإن تعمد أحدهما أو قصر فلكل حكمه ، وإن كانت إحداهما مربوطة فالضمان على مجرى الصادمة ، وينبغي تصوير المسألة بما لو كانت السفينة واقفة في نهر واسع ، فإن أوقفها في نهر ضيق فصدمتها أخرى فهو كمن قعد في شارع ضيق فصدمه إنسان لتفريطه ولو خرق سفينة عامدا خرقا يهلك غالبا فالقصاص أو الدية المغلظة على الخارق وخرقها للإصلاح شبه عمد ، فإن أصاب غير موضع الإصلاح فخرقه فخطأ محض ، ولو ثقلت سفينة بتسعة أعدال فألقى فيها آخر عاشرا عدوانا أغرقها لم يضمن الكل ويضمن العشر على الأصح لا النصف

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : والملاحان ) وقع السؤال في الدرس عما لو أمر رئيس السفينة آخر بتسييرها فسيرها ثم تلفت فهل الضمان على الرئيس أو على المسير وإن كان جاهلا بذلك ; لأنه المباشر فيه نظر ، والجواب عنه بأن الظاهر الثاني للعلة المذكورة ما لم يكن أعجميا يعتقد طاعة آمره ، فإن كان كذلك كان الضمان على الرئيس

                                                                                                                            ( قوله : وهما المجريان ) قال شيخنا في شرح الإرشاد : وظاهر تفسيرهم الملاح بمجري السفينة أن المراد به من له دخل في سيرها سواء كان في مقدمها أو مؤخرها ، وأن ما ذكر لا يختص برئيس الملاحين وهو متجه ا هـ سم على منهج

                                                                                                                            ( قوله : مردود ) أي فيضمن الولي ( قوله : اقتص منهما لواحد بالقرعة ) لعل محله إذا لم يعلم الأسبق موتا وإلا اقتص له ولا حاجة للقرعة ، وعبارة شرح الروض .

                                                                                                                            فلو كان في كل سفينة عشرة أنفس وماتوا معا أو جهل الحال وجب في مال كل منهما بعد قتلهما الواحد من عشرين بالقرعة تسع ديات ونصف ا هـ سم على منهج

                                                                                                                            ( قوله : بناء على إيجاب القصاص ) وهو الراجح [ ص: 366 ]

                                                                                                                            ( قوله : لكن لا قصاص ) أي على الملاحين حرين كانا أو عبدين ، وقوله فإن لم يقصرا وغلب الريح .

                                                                                                                            قال في شرح الروض : والقول قولهما بيمينهما عند التنازع في أنهما غلبا ; لأن الأصل براءة ذمتهما ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وهو مساو لقول الشارح : والقول قولهما إلخ ( قوله : وينبغي تصوير المسألة إلخ ) معتمد

                                                                                                                            ( قوله : فالقصاص ) أي إن حصلت المكافأة

                                                                                                                            ( قوله : لم يضمن الكل ) وانظر هل يشكل هذا بضمان الكل فيما لو جوعه ، وبه جوع سابق علم به ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وقد يقال : لا إشكال ; لأن طرو الجوع الثاني على الأول يعد نفسه مهلكا كمن ضرب مريضا في النزع فإن فعله يعد قاتلا ولا كذلك الحمل العاشر فإنه لا يعد مغرقا وحده بل الإغراق به مع بقية الأحمال



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : في المتن والملاحان ) إنما سمي الملاح ملاحا لمعالجته الماء الملح بإجراء السفينة فيه قاله الجوهري ( قوله : وهما المجريان لها ) قال في التحفة : اتحدا أو تعددا ، والمراد بالمجري لها من له دخل في سيرها ولو بإمساك نحو حبل أخذا مما مر في صلاة المسافر ا هـ ( قوله : ويلزم كلا منهما للآخر نصف بدل سفينته ) أي موزعا على ملاحيها إن كانوا متعددين كما هو ظاهر ( قوله : وأقامهما الولي ) أي لغير مصلحة لهما كما هو ظاهر ، أما إذا كان لمصلحة فلا يظهر وجه للضمان ، وحينئذ فاستثناء الولي فيه توقف ( قوله : ليس بشرط ) أي كما أنه ليس بسبب ولا مباشرة ( قوله : إذ الضرر إلخ . ) كذا أجاب والده في حواشي شرح الروض ، وأجاب أيضا بأن الخطر في إقامته ملاحا لسفينة أشد منه في إركابه الدابة ( قوله : ويعلم مما يأتي إلخ . ) قال الشهاب سم : أقول : في العلم مما يأتي نظر ظاهر لأن الآتي أخذ كل من ملاحه الجميع .

                                                                                                                            وهذا لا يدل على الأخذ من غير ملاحه كما يدل عليه قوله : هنا أحد الملاحين ، اللهم إلا أن يريد بأحد الملاحين ملاحه فليتأمل ا هـ [ ص: 366 ] قوله : بين أخذ بدل جميع ماله من أحد الملاحين ) توقف فيه سم أيضا بالنسبة لغير ملاحه فإنه لم يستقل بالإتلاف وليس المال تحت يده حتى يقال فرط فيه ، قال : إلا أن يقال مراده بأحد الملاحين ملاحه ( قوله : لم يضمن الكل إلخ . ) عبارة الروض لم يضمن الكل وهل يضمن النصف أو العشر وجهان




                                                                                                                            الخدمات العلمية