( ولو ) ( إن أراد مكافأتها بإسماع ما تكره ) من الطلاق لكونها أغاظته بالشتم ( طلقت ) حالا ( وإن لم يكن سفه ) ولا خسة ولا حقرة إذ المعنى إن كنت كذلك في زعمك فأنت طالق ( أو ) أراد ( التعليق اعتبرت الصفة ) كسائر التعليقات ( وكذا إن لم يقصد ) مكافأة ولا تعليقا ( في الأصح ) مراعاة لقضية لفظه إذ المرعي في التعليقات الوضع اللغوي كما مر والثاني لا تعتبر الصفة حملا على المكافأة اعتبارا بالعرف ، وأخذ بعضهم مما تقرر أن التعليق بغسل الثياب لا يحصل البر فيه إلا بغسلها بعد استحقاقها الغسل من الوسخ لأنه العرف في ذلك ، وكالوسخ النجاسة كما هو ظاهر ، وتردد ( خاطبته ) زوجته ( بمكروه كيا سفيه أو يا خسيس ) أو يا حقرة ( فقال إن كنت كذلك ) أي سفيها أو خسيسا ( فأنت طالق ) الولي العراقي في التعليق بأن بنته لا تجيئه فجاءت لبابه فلم [ ص: 54 ] تجتمع به ثم مال إلى عدم الحنث حيث لا نية لأنها لم تجئ بالفعل إلا لبابه ومجيئها إليه بالقصد غير مؤثر قال : والورع الحنث لأنه قد يقال جاءت ولم تجتمع به .
قال : ومدلول لا يعمل عنده لغة : عمله بحضوره ، وعرفا : أن يكون أجيرا له ، فإن أراد أحدهما فذاك ، وإلا بنى على ما مر من أن المغلب اللغة أو العرف عند تعارضهما ويتجه من تغليب العرف إذا قوي واطرد تغليبه هنا لاطراده ، قالوا والخياطة اسم لمجموع غرز الإبرة وجذبها بمحل واحد ، فلو جذبها ثم غرزها في محل آخر لم تكن خياطة ، ولو علق بنزولها عن حضانة ولدها نزولا شرعيا لم يحنث بنزولها لأنه بإعراضها وإسقاطها يستحقها شرعا لا بنزولها مع أن حقها لا يسقط بذلك إذ لها العود لأخذه قهرا عليه ( والسفه ) كما في المحرر ( منافي إطلاق التصرف ) وهو ما يوجب الحجر مما مر في بابه ، ونازع فيه الأذرعي بأن العرف عم بأنه بذاءة اللسان ونطقه بما يستحيا منه سيما إن دلت قرينة عليه بأنه خاطبها ببذاءة فقالت يا سفيه مشيرة لما صدر منه ، والأوجه الرجوع إلى ذلك إن ادعى إرادته وكان هناك قرينة ، فإن كان عاميا عمل بدعواه وإن لم تكن قرينة ( والخسيس قيل ) أي قال العبادي : هو ( من باع دينه بدنياه ) بأن تركه باشتغاله بها قال وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره ، وقال الرافعي تفقها من نفسه نظرا للعرف .
( ويشبه أن يقال ) في معناه ( هو من يتعاطى غير لائق به بخلا ) بما يليق به بخلاف من يتعاطاه تواضعا أو زهدا أو طرحا للتكليف والحقرة عرفا ذاتا ضئيل الشكل فاحش القصر ووضعا الفقير الفاسق قاله العراقي ثم قال : وبلغني أن النساء لا يردن به إلا قليل النفقة [ ص: 55 ] ولا عبرة بعرفهن تقديما للعرف العام عليه ، والبخيل من لا يؤدي الزكاة ولا يقري الضيف قاله المتولي ، وقضيته أنه لو اقتصر على إحداهما لم يكن بخيلا واعترض بأن العرف يقتضي الثاني فقط ، ورد بمنع ذلك ، والكلام في غير عرف الشرع أما فيه فهو من يمنع مالا لزمه بذله ، والقواد من يجمع بين الرجال والنساء جمعا حراما وإن كن غير أهله قال ابن الرفعة : وكذا من يجمع بينهم وبين المرد ، والقرطبان : من يسكت عن الزاني بامرأته ، وفي معناه محارمه ونحوهن . والديوث : من لا يمنع الداخل على زوجته من الدخول ومحارمه ، وإماؤه كالزوجة كما بحثه الأذرعي وقليل الحمية من لا يغار على أهله ومحارمه ونحوهن ، والقلاش : الذواق للطعام كأن يرى أنه يريد الشراء ولا يشتري ، ولو قال من قيل له يا زوج القحبة إن كانت كذا فهي طالق طلقت إن قصد التخلص من عارها كقصده المكافأة وإلا اعتبرت الصفة ، والقحبة هي البغي ، والجهوذوري : من قام به الذلة والخساسة كما جزم به ابن المقري ، وقيل من قام به صفرة الوجه ، وجرى عليه الحجازي فعلى الأول لو علق مسلم طلاقه به لم يقع لأنه لا يوصف بها ، فإن قصد المكافأة بها طلقت حالا ، والكوسج : من قل شعر وجهه وعدم شعر عارضيه ، والأحمق من يفعل الشيء في غير موضعه مع علمه بقبحه ، والغوغاء : من يخالط الأراذل ويخاصم الناس بلا حاجة ، والسفلة : من يعتاد دنيء الأفعال إلا نادرا .
فإن وصفت زوجها بشيء من ذلك فقال لها إن كنت كذلك فأنت طالق ، فإن قصد مكافأتها طلقت حالا وإلا اعتبر وجود الصفة ، أو فهذه كناية عن الرجولية أو الفتوة أو نحوها ، فإن قصد بها المغايظة والمكافأة أو الرجولية والفتوة طلقت أو المشاكلة في الصورة أو لم يقصد شيئا فلا إلا إن كانت رأت مثلها كثيرا ، [ ص: 56 ] كذا جرى عليه قالت له كم تحرك لحيتك فقد رأيت مثلها كثيرا فقال إن كنت رأيت مثلها كثيرا فأنت طالق ابن المقري ، وعبارة أصله بدل الرجولية والفتوة أنه كالمشاكلة حيث قال : فإن حمل اللفظ على المكافأة طلقت وإلا فلا ، ووجهه ما جرى عليه الأول أن رؤيتها مثلها في الرجولية والفتوة وجدت ولا بد ، بخلاف المماثلة في الشكل والصورة وعدد الشعرات فإنها قد لا تكون وجدت ، ولو فظاهره المكافأة فتطلق حالا إن لم يقصد التعليق ، ولو قالت له أنا أستنكف منك ، فقال كل امرأة تستنكف مني فهي طالق لم تطلق لأنه من أهل الجنة ظاهرا ، فإن مات مرتدا بان وقوعه ، فلو كان كافرا طلقت لأنه من أهل النار ظاهرا ، فإن أسلم بان عدمه وإن قصد في الصورتين المكافأة طلقت حالا ولو قالت لزوجها أنت من أهل النار فقال لها إن كنت من أهلها فأنت طالق لأنه ترك وليس بفعل ، ولو قال لزوجته إن فعلت معصية أنت طالق لم تطلق بترك الطاعة كصلاة وصوم طلقت لوجود الصفة لأنها هي الحرة فلا تكون أحلى من نفسها كما مال إلى ذلك وطئ زوجته ظانا أنها أمته فقال إن لم تكوني أحلى من زوجتي فهي طالق الإسنوي وهو المعتمد ، أو فليس بإذن . نعم إن دل الحال على الإذن في الوطء كان إذنا وقولها في عينها توسعا في الإذن لا تخصيصا . قاله إن وطئت أمتي بغير إذنك فأنت طالق فقالت له طأها في عينها الأذرعي ، ولو طلقت حالا كما أفتى به قال إن دخلت البيت ووجدت فيه شيئا من متاعك ولم أكسره على رأسك فأنت طالق ، فوجد في البيت هاونا الوالد رحمه الله تعالى .