الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويغلظ ) ولو في كافر فيما يظهر ( بزمان وهو بعد ) فعل ( عصر ) أي يوم كان إن لم يتيسر التأخير للجمعة لأن اليمين الفاجرة حينئذ أعظم عقوبة كما دل عليه خبر الصحيحين ، فإن تيسر التأخير فبعد عصر ( جمعة ) لأن يومها أشرف الأسبوع وساعة الإجابة فيها بعد عصرها كما في رواية صحيحة وإن كان الأشهر أنها فيما بين جلوس الخطيب وفراغ الصلاة على ما مر في الجمعة ، ومقابله أحد وأربعون قولا ، وألحق بعضهم بعصر الجمعة الأوقات الشريفة كشهري رجب ورمضان ويومي العيد وعرفة وعاشوراء ( ومكان وهو أشرف بلده ) أي اللعان لأن في ذلك تأثيرا في الزجر عن اليمين الكاذبة ، وعبارته مساوية لعبارة أصله أشرف مواضع البلد ( فبمكة ) يكون اللعان ( بين الركن ) الذي فيه الحجر الأسود ( والمقام ) أي مقام سيدنا إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم وهو المسمى بالحطيم لحطم الذنوب فيه ولم يكن بالحجر مع أنه أفضل لكونه من البيت صونا له عن ذلك وإن حلف فيه عمر قاله الماوردي ( و ) في ( المدينة ) يكون ( عند المنبر ) مما يلي القبر المكرم على الحال به أفضل الصلاة والسلام لأنه روضة من رياض الجنة ، وللخبر الصحيح { لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة يمينا آثمة ولو على سواك رطب إلا وجبت له النار } وفي رواية صحيحة ؟ { من حلف على منبري هذا يمينا آثمة تبوأ مقعده من النار } وصحح في أصل الروضة صعوده ، وتحمل عبارة الكتاب عليه بأن يجعل عند بمعنى على ( و ) في ( بيت المقدس ) يكون ( عند الصخرة ) لأنها قبلة الأنبياء ، وفي خبر أنها من الجنة . [ ص: 118 ] ومحل التغليظ بالمساجد الثلاثة لمن هو بها ، أما من لم يكن بها فلا يجوز نقله إليها : أي قهرا كما جزم به الماوردي ( و ) في ( غيرها ) أي الأماكن الثلاثة يكون ( عند منبر الجامع ) أي عليه لأنه أشرفه : أي باعتبار أن محله الوعظ والانزجار وربما أدى صعوده إلى تذكره وإعراضه ، وزعم أن صعوده غير لائق بها ممنوع لا سيما مع رواية البيهقي وإن ضعفها { أنه صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته عليه } ( و ) تلاعن ( حائض ) ونفساء مسلمة ومسلم به جنابة ولم يمهل للغسل أو نجس يلوث المسجد ( بباب المسجد ) بعد خروج القاضي مثلا إليه لحرمة مكث هؤلاء ، فإن رأى تأخيره إلى زوال المانع فلا بأس كما نقله في الكفاية ، أما ذمية حائض أو نفساء أمن تلويثهما المسجد وذمي جنب فيجوز تمكينهما من الملاعنة فيه إلا المسجد الحرام ( و ) يلاعن ( ذمي ) أي كتابي ولو معاهدا أو مستأمنا ( في بيعة ) للنصارى ( وكنيسة ) لليهود لأنهم يعظمونها كتعظيمنا لمساجدنا ( وكذا بيت نار مجوسي في الأصح ) لذلك فيحضره الحاكم رعاية لاعتقادهم لشبهة الكتاب . والثاني لا لأنه ليس له حرمة وشرف فيلاعن في مجلس الحكم ، وعلم مما تقرر أن نحو القاضي والجمع الآتي يحضر بمحالهم تلك إلا ما به صور معظمة لحرمة دخوله مطلقا كغيره بلا إذنهم وتلاعن كافرة تحت مسلم فيما ذكر لا في المسجد ما لم يرض به ( لا بيت أصنام وثني ) دخل دارنا بأمان أو هدنة وترافعوا إلينا فلا يلاعن فيه بل في مجلس الحكم إذ لا أصل له في الحرمة ، واعتقادهم لوضوح فساده غير مرعي ولأن دخوله معصية ولو بإذنهم ، ولا تغليظ فيمن لا يتدين بدين كدهري وزنديق بل يحلف [ ص: 119 ] إن لزمته يمين بالله الذي خلقه ورزقه ويعتبر الزمن بما يعتقدون تعظيمه ( و ) حضور جمع من الأعيان والصلحاء للاتباع ولأن فيه ردعا للكاذب ( وأقله أربعة ) لثبوت الزنا بهم .

                                                                                                                            قال ابن الرفعة : ومن هنا يظهر لك اعتبار كونهم من أهل الشهادة وقد ذكر ذلك الماوردي ويعلم منه اعتبار معرفتهم لغة المتلاعنين ( والتغليظات سنة لا فرض على المذهب ) كما في سائر الأيمان

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 117 ] قوله : فيما يظهر ) لعل البحث بالنسبة لمجموع التغليظات وإلا فسيأتي التصريح في المتن بأن الذي يلاعن في بيعة وكنيسة أو أنه بالنسبة للزمن خاصة ( قوله : فعل وهو بعد فعل عصر ) لعل التقييد به نظرا للغالب من صلاة العصر في أول وقتها فإن أخروا إلى آخر الوقت لاعن في أوله ( قوله : فيما بين جلوس الخطيب ) أي قبل الشروع في الخطبة لا الجلوس بين الخطبتين ( قوله : وألحق بعضهم ) أي فيكتفي في التغليظ بوجود اللعان فيها وإن لم يكن يوم جمعة كما هو قضية الإلحاق ، ولو قيل إذا وقع اللعان في رجب أو رمضان كأن تحري يوم الجمعة فيهما آكد من غيره لم يكن بعيدا ( قوله : بين الركن إلخ ) المراد بالبينية هنا البينية العرفية بأن يحاذي جزء من الحالف جزءا من أحدهما أو ما قرب منه ا هـ حج ( قوله : لحطم الذنوب ) أي إذهابها فيه ( قوله وإن حلف فيه عمر ) لعله رأى أن فيه تخويفا للحالف أكثر من غيره ( قوله { ولو على سواك رطب } ) إنما ذكر لأنه أقل قيمة من غيره ( قوله : { إلا وجبت له النار } ) أي وجوب تطهير ، لأنه إذا لم يعتقد حل ذلك لم يكفر والخلود إنما يكون للكافر ( قوله : وصحح في الروضة صعوده ) أي المنبر على المعتمد ، فإن لم يصعدا وقفا على يسار المنبر من جهة المحراب في المدينة وغيرها من سائر البلاد كما في شرح الروض ، وقوله على يسار المنبر : أي على يسار مستقبل المنبر ، وإلا فجهة المحراب يمين المنبر لا يساره ، [ ص: 118 ] إذ كل شيء استقبلته كان المقابل ليمينك يساره ومقابل يسارك يمينه ( قوله : أي قهرا ) أي وأما باختياره فلا يمتنع ، ومؤنة السفر لما يتعلق به عليه ومؤنة المرأة عليها ( قوله : أي باعتبار أنه محل الوعظ ) أي لا باعتبار كونه أشرف بقاع المسجد من حيث كونه جزءا من المسجد ، وعبارة شيخنا الزيادي : قوله على المنبر إلخ لا لكونه أشرف بقاع المسجد ( قوله : غير لائق بها ) أي المرأة ( قوله : العجلاني ) بالفتح والسكون إلى بني العجلان بطن من الأنصار ا هـ لب للسيوطي .

                                                                                                                            ولم يبين صفة ملاعنة هلال بن أمية مع امرأته مع أن ملاعنته أسبق كما تقدم عن شرح مسلم فانظره ( قوله : فلا بأس ) أي لا حرمة ولا كراهة ( قوله من الملاعنة فيه ) أي المسجد ( قوله في بيعة ) بكسر الباء ( قوله : إلا ما به صورة معظمة ) أي فلا يجوز وإن أذنوا في دخوله وهو الآتي بلا إذنهم أي من حيث كونهم مستحقا لهم وجدت صورة أو لم توجد ( قوله : بلا إذنهم ) أي أما به فيجوز ، وظاهره أنه لا يعتبر في جواز الدخول بإذنهم وجود حاجتنا للدخول ولا وجود حاجتهم ، وقضية إطلاقه أنه يكتفي في جواز الدخول بإذن واحد منهم كما يكتفي بإذن واحد منا في دخولهم مساجدنا ( قوله : ما لم يرض به ) أي الزوج ( قوله : فلا يلاعن فيه ) أي لا يجوز أخذا من قوله ولأن دخوله معصية ، ويحتمل أن يقال : أي لا يسن ، والظاهر الأول حيث كان فيه صورة محرمة ( قوله : كدهري ) عبارة مختار الصحاح : والدهري بالضم : المسن وبالفتح الملحد .

                                                                                                                            قال ثعلب كلاهما منسوب إلى الدهر وهم ربما غيروا في النسب ا هـ .

                                                                                                                            وعبارة شيخنا الزيادي : والدهري بضم الدال كما ضبطه ابن قاسم وبفتحها [ ص: 119 ] كما ضبطه ابن شهبة وهو المعطل ا هـ . وظاهرها أن فيه اللغتين وليس مرادا ( قوله : ويعتبر الزمن بما يعتقدون تعظيمه ) قد ينافي هذا ما تقدم في قوله ويغلظ ولو في كافر فيما يظهر بزمان إلخ فإن قضيته التغليظ على الكافر بكونه بعد العصر ( قوله : من الأعيان والصلحاء ) أي ولو كانا ذميين ( قوله : ويعلم منه اعتبار إلخ ) ليس هذا تكرارا مع ما تقدم في قوله ويسن حضور أربعة يعرفون تلك اللغة لأن الفرض مما هنا بيان وجه اشتراط كونهم يعرفون تلك اللغة في أداء السنة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 117 ] قوله : ولو في كافر فيما يظهر ) أي وفاقا للبندنيجي ومن تبعه وخلافا للماوردي ومن تبعه في قولهم إنه يغلظ على الكفار في وقت أشرف صلواتهم وأعظم أوقاتهم في اعتقادهم ، لكن يشكل على هذا ما يأتي عقب قول المصنف لا بيت نار وثني من قوله ويعتبر الزمن بما يعتقدون تعظيمه ، فإن كان ذلك خاصا بمن لا يتدين فيطلب الفرق بينه وبين غيره ( قوله : وألحق بعضهم بعصر الجمعة الأوقات الشريفة ) أي في أنه يؤخر إليها إن تيسر ( قوله : وفي رواية صحيحة ) صدر هذه الرواية من حلف على منبري إلخ . [ ص: 118 ] قوله : ومحل التغليظ بالمساجد الثلاثة إلخ . ) فيه أنه لم يتقدم ذكر التغليظ بالمساجد الثلاثة حتى يقيد بهذا ، فلعل مراده محل التغليظ بما في المساجد الثلاثة : أي من الركن والمقام إلخ . ( قوله : للنصارى ) اللام فيه بمعنى في وكذا في لليهود وليست للاختصاص ، وإلا أفاد أن الذمي مطلقا يلاعن في كل من البيعة والكنيسة فيلاعن النصارى فيهما وكذا اليهود وليس كذلك ( قوله : إلا ما به صور ) هذا ليس جملة ما علم مما تقرر ( قوله : بلا إذنهم ) هل منه ما نحن فيه من الدخول للملاعنة فلا يدخل إلا بإذنهم ، فإن كان كذلك وامتنعوا ، فأي محل يلاعنون [ ص: 119 ] يراجع




                                                                                                                            الخدمات العلمية