الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : فلو أن رجلا من قبيلة من قبائل العرب جنى جناية بأرض مصر ، وليس بمصر من قومه أحد وقومه بالعراق أو باليمن ، فجنى جناية بمصر ، أيضم إليه أقرب القبائل إليه من قومه بمصر فيحملون جنايته ، أم تجعل جنايته على قومه حيث كانوا في قول مالك ؟ قال : قال مالك : إذا انقطع البدوي إلى الحضر فسكن الحضر عقل معهم ، ولا يعقل أهل الحضر مع أهل البدو ولا أهل البدو مع أهل الحضر . وقال مالك : إن أهل مصر لا يعقلون مع أهل الشام ، وأهل الشام لا يعقلون مع أهل مصر ، ولكن إن كان من أهل مصر وهي مسكنه عقل عنه أهل مصر .

                                                                                                                                                                                      وقال مالك : إذا جرح الرجل الرجل - ولم يكن في قومه من يحمل عقله - لقلتهم - ضم إليهم أقرب القبائل إليهم ، فإن لم يكن فيهم قوم يحملون العقل ضم إليهم أيضا أقرب القبائل منهم حتى يكون فيهم من يحمل العقل . قال : قلت لمالك : فكيف تحمل العاقلة العقل ؟

                                                                                                                                                                                      قال مالك : على الغني بقدره وعلى من دونه بقدره .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وإنما على ذلك قدر طاقة الناس في يسرهم .

                                                                                                                                                                                      قلت : فهذا الذي تحول إلى مصر فسكنها ، أهو بمنزلة المصريين ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، إذا تحول إلى مصر رجل من أهل البادية أو من أهل الشام أو من أهل العراق فسكن مصر وانقطع إليها فهو بمنزلة رجل من أهل مصر . قال : وقد قال مالك في البدوي ما أخبرتك أنه يصير مصريا إذا انقطع إلى مصر . وقد قاله في الشامي إذا تحول إلى مصر ، إنه يصير مصريا ويعقل معهم .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن جنى الرجل الذي تحول إلى مصر جناية - وقومه بالشام ومنهم بمصر - والذين بمصر لا يحملون الجناية لقلتهم ولسعة الدية ، أيضم إليهم أقرب القبائل منهم ، أم يحمل قومه الذين بالشام الدية ، وإنما كان تحول من الشام إلى مصر ؟ قال : إذا تحول إلى مصر فسكنها فهو من أهل مصر كما أخبرتك ، ولا يحمل أهل الشام جناية أهل مصر ولا أهل مصر جناية أهل الشام . فقد قال مالك في أهل الشام : لا يحملون جناية أهل مصر ولا أهل مصر يحملون جناية أهل الشام ; لأن مالكا قال في أهل البدو : لا يحملون جناية أهل الحضر وأهل الحضر لا يحملون جناية أهل البدو . فأرى أن يضم إليه أقرب القبائل فيحملون الدية كما وصفت [ ص: 630 ] لك .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن لم يكن لهذا الرجل بمصر من قومه أحد يحمل جنايته ، ضمت إليه أقرب القبائل إلى قومه فيحملون جريرته ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قلت : لم قال مالك إن أهل البدو لا يحملون مع أهل الحضر ، وأهل الحضر لا يحملون مع أهل البدو ؟

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : لأنه لا يستقيم أن يكون في دية واحدة إبل ودنانير ، أو إبل ودراهم ، أو دراهم ودنانير ، فهذا تفسيره ، وما سمعت من مالك فيه شيئا . فأما أهل الشام وأهل مصر فهم أجناد وقد جندت ، فكل جند عليهم جرائرهم دون من سواهم من الأجناد .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية