الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت الرجل يدخل الحرز فيأخذ المتاع فيناوله رجلا خارجا من الحرز ، أيقطع الداخل أم الخارج أم يقطعان جميعا ؟ وكيف إن أخذ بعدما ناول المتاع صاحبه الخارج فأخذ قبل أن يخرج من الحرز ، أيقطع أم لا ؟ قال : قال لي مالك : إن خرج به من حرزه إلى خارج قطعت يده ، وإن رمى بالمتاع خارجا فأخذ قبل أن يخرج هو فقد شك مالك فيه أن يقطع . وقال لي مالك قبل ذلك : يقطع . ثم توقف عنه وقال : قد نزل بالمدينة ما يشبهه . قيل : ما هو ؟

                                                                                                                                                                                      قال : رجلان دخلا بيتا لرجل ، فكان أحدهما داخلا في البيت ، فربط المتاع بحبل وآخر يجره حتى أخرجه فقلت لمالك : أهو مثله ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم . قال مالك : ولكن لا أحب أن أتكلم فيه بشيء . وقد سمعته قبل ذلك يقول في صاحبي الحبل : إنهما يقطعان جميعا وهو رأيي . وأما الذي ناول المتاع صاحبه وهما في الدار فإني لا أرى أن يقطع إلا الذي أخرجه من الدار .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت الخارج في مسألتي ، هل يقطع في قول مالك ؟ لا ، إلا أن يكون أدخل يده في الحرز فأخرجه أو ربط له في الحرز فاجتره فإنه يقطع ، وكذلك لو أن أحدهما دخل بيتا فأخرج منه متاعا إلى باب البيت فأخذه الذي هو خارج . قال : إن كان الداخل قد أخرجه من حرزه فناوله الخارج قطع الداخل ولم يقطع الخارج ، وإن كان لم يخرجه من حرزه وأخرجه الخارج من حرزه قطع الخارج ولم يقطع الداخل ، بمنزلة ما قال مالك في النقب .

                                                                                                                                                                                      وذلك أن مالكا سئل عن السارقين ينقبان البيت ، فيدخل أحدهما فيقرب المتاع إلى باب النقب فيناوله الخارج قال : إن كان الداخل لم يخرجه من حرزه والخارج هو الذي أدخل يده إليه حتى أخرجه ، قطع الخارج ولم يقطع الداخل . قال : وإن كان أخرجه من حرزه فناوله الخارج ، قطع الداخل ولم يقطع الخارج .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : ولو أنهما اجتمعت أيديهما في النقب بموضع لم يخرجه الداخل من الحرز ولم يخرجه الخارج من الحرز ، كان فيما بين ذلك فتناوله في [ ص: 533 ] وسط ذلك منه قطعا جميعا ، وكان بمنزلة ما يتعاونان عليه فأخرجاه من حرزه فالباب الذي سألت عنه عندي مثله .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية