الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أن رجلا هلك وترك عليه ديونا للناس فباع الورثة ماله وقضوا أهل دينه وفضلت في يدي الورثة من ماله فاقتسموها ، فقدم رجل فأقام البينة على الميت بدين له عليه ، وقد توى ما أخذ الورثة من تركته وأصاب الورثة عدما ، أيكون له أن يتبع الغرماء الذين أخذوا دينهم من الورثة في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : ليس له أن يتبع الغرماء ، ولكن يتبع الورثة إذا كان الذي بقي من تركة الميت في يدي الورثة كفافا لدينه فإن كان دينه أكثر مما بقي في يدي الورثة ، رجع على الغرماء بما يصير له عندهم أن لو كان حاضرا فحاصهم . وتفسير ذلك أن يكون على الميت دين ثلثمائة دينار لثلاثة رجال ، وتركة الميت مائتان وخمسون دينارا ، فقضى الورثة غريمين مائتين ولم يعلم بالآخر ، وبقيت في يدي الورثة خمسون فهو يحاص الغرماء بجميع دينه ، فيصير لكل واحد من الغرماء ثلاثة وثمانون وثلث . فالخمسون التي في يدي الورثة هي للغريم التي أحيا دينه يتبع الورثة بها ، ويتبع اللذين اقتضيا مائة يتبع كل واحد بسبعة عشر إلا ثلثا ، فذلك ثلاثة وثلاثون وثلث ، فيصير له ثلاثة وثمانون وثلث بالخمسين التي في يدي الورثة ، ويصير لكل واحد من الغرماء ثلاثة وثمانون وثلث ; لأنه رجع على كل واحد ورجع عليه بسبعة عشر إلا ثلثا .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن لم يترك إلا مقدار الدين الذي أخذته الغرماء من تركة الميت الذي دفعه إليهم الورثة ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : يرجع على الغرماء فيحاصهم بمقدار دينه .

                                                                                                                                                                                      قلت : ولا يرجع على الورثة بشيء من ذلك إن أصاب الغرماء عدما ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إذا قضيت الورثة الغرماء بينهم ، وهم لا يعلمون بدين هذا الرجل الذي طرأ عليهم ، فليس عليهم شيء وإن كانوا يعلمون بدينه ، فإن أصاب الغرماء عدما لا مال عندهم ، كان له أن يرجع على الورثة بحصته من الدين ، ويتبع الورثة الغرماء الأولين بمقدار ما غرموا لهذا الغريم الذي طرأ ، قلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : هذا رأيي ; لأنهم أتلفوا حقه وهم يعلمون ذلك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية