[ ص: 445 ] 628
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وستمائة
ذكر التتر إلى أذربيجان وما كان منهم . خروج
في هذه السنة وصل التتر من بلاد ما وراء النهر إلى أذربيجان ، وقد ذكرنا قبل كيف ملكوا ما وراء النهر ، وما صنعوه بخراسان وغيرها من البلاد من النهب ، والتخريب ، والقتل ، واستقر ملكهم بما وراء النهر ، وعادت بلاد ما وراء النهر فانعمرت ، وعمروا مدينة تقارب مدينة خوارزم عظيمة ، وبقيت مدن خراسان خرابا لا يجسر أحد من المسلمين [ أن ] يسكنها .
وأما التتر فكانوا تغير كل قليل طائفة منهم ينهبون ما يرونه بها ، فالبلاد خاوية على عروشها ، فلم يزالوا كذلك إلى أن ظهر منهم طائفة سنة خمس وعشرين [ وستمائة ] ، فكان بينهم وبين جلال الدين ما ذكرناه ، وبقوا كذلك ، فلما كان الآن ، وانهزم جلال الدين من علاء الدين كيقباذ ومن الأشرف ، كما ذكرناه سنة سبع وعشرين [ وستمائة ] ، أرسل مقدم الإسماعيلية الملاحدة إلى التتر يعرفهم ضعف جلال الدين بالهزيمة الكائنة عليه ، ويحثهم على قصده عقيب الضعف ، ويضمن لهم الظفر به للوهن الذي صار إليه .
وكان جلال الدين سيئ السيرة ، قبيح التدبر لملكه ، لم يترك أحدا من الملوك المجاورين له إلا عاداه ، ونازعه الملك ، وأساء مجاورته ، فمن ذلك أنه أول ما ظهر في أصفهان وجمع العساكر قصد خوزستان ، فحصر مدينة ششتر ، وهي للخليفة ، وسار إلى دقوقا فنهبها ، وقتل فيها فأكثر ، وهي للخليفة أيضا .
ثم ملك أذربيجان ، وهي لأوزبك ، وقصد الكرج وهزمهم وعاداهم ، ثم عادى صاحب الملك الأشرف خلاط ، ثم عادى علاء الدين صاحب بلاد الروم ، وعادى الإسماعيلية ، ونهب بلادهم ، وقتل فيهم فأكثر ، وقرر عليهم وظيفة من المال كل سنة ، وكذلك غيرهم ، فكل من الملوك تخلى عنه ، ولم يأخذ بيده .
[ ص: 446 ] فلما وصلت كتب مقدم الإسماعيلية إلى التتر يستدعيهم إلى قصد جلال الدين ، بادر طائفة منهم فدخلوا بلادهم ، واستولوا على الري وهمذان ومما بينهما من البلاد ، ثم قصدوا أذربيجان فخربوا ونهبوا وقتلوا من ظفروا به من أهلها ، وجلال الدين لا يقدم على أن يلقاهم ، ولا يقدر أن يمنعهم عن البلاد ، قد ملئ رعبا وخوفا ، وانضاف إلى ذلك أن عسكره اختلفوا عليه ، وخرج وزيره عن طاعته في طائفة كثيرة من العسكر .
وكان السبب غريبا أظهر من قلة عقل جلال الدين ما لم يسمع بمثله ، وذلك أنه كان له خادم خصي ، وكان جلال الدين يهواه ، واسمه قلج ، فاتفق أن الخادم مات ، فأظهر من الهلع والجزع عليه ما لم يسمع بمثله ، ولا لمجنون ليلى ، وأمر الجند والأمراء أن يمشوا في جنازته رجالة ، وكان موته بموضع بينه وبين تبريز عدة فراسخ ، فمشى الناس رجالة ، ومشى بعض الطريق راجلا ، فألزمه أمراؤه ووزيره بالركوب ، فلما وصل إلىتبريز أرسل إلى أهل البلد ، فأمرهم بالخروج عن البلد لتلقي تابوت الخادم ، ففعلوا ، فأنكر عليهم حيث لم يبعدوا ، ولم يظهروا من الحزن والبكاء أكثر مما فعلوا ، وأراد معاقبتهم على ذلك ، فشفع فيهم أمراؤه فتركهم .
ثم لم يدفن ذلك الخصي ، وإنما يستصحبه معه حيث سار ، وهو يلطم ويبكي ، فامتنع من الأكل والشرب ، وكان إذا قدم له طعام ، يقول : احملوا من هذا إلى فلان ، يعني الخادم ، ولا يتجاسر أحد [ أن ] يقول إنه مات ، فإنه قيل له مرة إنه مات ، فقتل القائل له ذلك ، إنما كانوا يحملون إليه الطعام ، ويعودون فيقولون : إنه يقبل الأرض ويقول : إنني الآن أصلح مما كنت ، فلحق أمراءه من الغيظ والأنفة من هذه الحالة ما حملهم على مفارقة طاعته والانحياز عنه مع وزيره ، فبقي حيران لا يدري ما يصنع ، ولا سيما لما خرج التتر ، فحينئذ دفن الغلام الخصي ، وراسل الوزير واستماله وخدعه إلى أن حضر عنده ، فلما وصل إليه ، بقي أياما وقتله جلال الدين ، وهذه نادرة غريبة لم يسمع بمثلها .