أما الطائفة من الجيش التي سيرها إلى جنكزخان خوارزم ، فإنها كانت أكثر [ ص: 361 ] السرايا جميعها لعظم البلد ، فساروا حتى وصلوا إلى خوارزم وفيها عسكر كبير ، وأهل البلد معروفون بالشجاعة والكثرة ، فقاتلوهم أشد قتال سمع به الناس ، ودام الحصر لهم خمسة أشهر ، فقتل من الفريقين خلق كثير ، إلا أن القتلى من التتر كانوا أكثر لأن المسلمين كان يحميهم السور .
فأرسل التتر إلى ملكهم يطلبون المدد ، فأمدهم بخلق كثير ، فلما وصلوا إلى البلد زحفوا زحفا متتابعا ، فملكوا طرفا منه ، فاجتمع أهل البلد وقاتلوهم في طرف الموضع الذي ملكوا ، فلم يقدروا على إخراجهم ، ولم يزالوا يقاتلونهم ، جنكزخان والتتر يملكون منهم محلة بعد محلة ، وكلما ملكوا محلة قاتلهم المسلمون في المحلة التي تليهم ، فكان الرجال والنساء والصبيان يقاتلون ، فلم يزالوا كذلك حتى ملكوا البلد جميعه ، وقتلوا كل من فيه ، ونهبوا كل ما فيه ثم إنهم فتحوا السكر الذي يمنع ماء جيحون عن البلد ، فدخله الماء ، فغرق البلد ، جميعه وتهدمت الأبنية وبقي موضعه ماء ، ولم يسلم من أهله أحد البتة ، فإن غيره من البلاد قد كان يسلم بعض أهله ، منهم من يختفي ، ومنهم من يهرب ، ومنهم من يخرج ثم يسلم ، ومنهم من يلقي نفسه بين القتلى فينجو .
وأما أهل خوارزم فمن اختفى من التتر غرقه الماء أو قتله الهدم ، فأصبحت خرابا يبابا
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر
وهذا لم يسمع بمثله في قديم الزمان وحديثه ، نعوذ بالله من الحور بعد الكور ، ومن الخذلان بعد النصر ، فلقد عمت هذه المصيبة الإسلام وأهله ، فكم من قتيل من أهل خراسان وغيرها ، لأن القاصدين من التجار وغيرهم كانوا كثيرا ، مضى الجميع تحت السيف .
[ ص: 362 ] ولما فرغوا من خراسان وخوارزم عادوا إلى ملكهم بالطالقان .