ذكر بدر الدين مع الملك الأشرف اتفاق
لما رأى بدر الدين خروج القلاع عن يده ، واتفاق مظفر الدين وعماد الدين عليه ، ولم ينفع معهما اللين ولا الشدة ، وأنهما لا يزالان يسعيان في أخذ بلاده ، ويتعرضان إلى أطرافها بالنهب والأذى ، أرسل إلى ، وهو صاحب الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل ديار الجزيرة كلها ، إلا القليل ، وصاحب خلاط وبلادها ، يطلب منه الموافقة والمعاضدة ، وانتمى إليه ، وصار في طاعته منخرطا في سلك موافقته ، فأجابه الأشرف بالقبول لذلك ، والفرح به والاستبشار ، وبذل له المساعدة والمعاضدة ، والمحاربة دونه ، واستعادة ما أخذ من القلاع التي كانت له .
وكان حينئذ الملك الأشرف بحلب ، نازلا بظاهرها ، لما ذكرناه من تعرض ، ملك بلاد الروم التي بيد المسلمين ، كيكاوس قونية وغيرها ، إلى أعمالها ، وملكه بعض قلاعها ، فأرسل إلى مظفر الدين يقبح هذه الحالة ، ويقول له : إن هذه القاعدة تقررت بين جميعنا بحضور رسلك ، وإننا نكون على الناكث إلى أن يرجع الحق ، ولا بد من إعادة ما أخذ من بلد الموصل لندوم على اليمين التي استقرت بيننا ، فإن [ ص: 317 ] امتنعت ، وأصررت على معاضدة زنكي ونصرته ، فأنا أجيء بنفسي وعساكري ، وأقصد بلادك وغيرها ، وأسترد ما أخذتموه ، وأعيده إلى أصحابه ، والمصلحة أنك توافق ، وتعود إلى الحق ; لنجعل شغلنا جمع العساكر ، وقصد الديار المصرية ، وإجلاء الفرنج عنها قبل أن يعظم خطبهم ويستطير شرهم .
فلم تحصل الإجابة منه إلى شيء من ذلك ، وكان ناصر الدين محمود ، صاحب الحصن وآمد ، قد امتنع عن موافقة الأشرف ، وقصد بعض بلاده ونهبها ، وكذلك صاحب ماردين ، واتفقا مع مظفر الدين ، فلما رأى الأشرف ذلك جهز عسكرا وسيره إلى نصيبين نجدة لبدر الدين إن احتاج إليهم .